بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 2 نوفمبر 2013

الإله في الإسلام والديانات الأخرى (هل يمكن التقريب بين الديانات ؟



أهم نقطة تقف عائقا أمام التقارب بين الديانات تكمن في عدم التوافق حول مفهوم الإله .

فالديانة الطاوية ليس في عقيدتها ما يشير إلى وجود إله، وكل ما في الكون أوجدته المصادفة ويقوم على طاقة كونية سالبة موجبة تسير شؤون الكون.

والديانة البوذية تعتقد أن بوذا إله أنسلخ من طبيعته البشرية وأكتسب ملامح إلهية.

وأما الديانة الهندوسية فإن تقول بوجود قدر ممثلا في الكارما والنارفانا يحكم الكون وما فيه حكما جبريا وفيهما يفنى كل شيء.

وأما الديانة العبرية فإنها تنظر إلى الإله (يهوا) على أنه يتصف بملامح بشرية، وتسرى عليه الطبيعة البشرية ما يسري على البشر ، فهو يأكل ويشرب ويجامع النشاء ...

وأما الديانة النصرانية فإنها تنظر إلى الإله على روح تجسد حل في صورة بشر، وهو يجمع  بين أقانيم ثلاثة ( الأب والإبن والروح القدس) .

وأما الإسلام فإنه ينفي عن الإله هذه الصور كلها ويعتبره منزها عن أي صفة من صفات الخلق ( ليس كمثله شيئ ) وكل يوم هو في شأن . وصفاته المذكورة في القرآن صفات مجازية لتقريب المعنى.

فهل يوجد من أصحاب هذه الديانة من يستطيع أن يتنازل عن معتقداته في الإله لصالح دين من الأديان .ما دام جوهر الدين يتمحور في عقيدة الإله .فإن استطاع كل دين التنازل عن مفاهيمه توحدت الديانات .وهذه هي أهم نقطة التي يمكن أن تجمع بينهم أو تفرقهم، واعتقد أنهم لن يتفقوا أبدا.

الجمعة، 1 نوفمبر 2013

ديكتاتورية مجلس الأمن

توجد في هذا المجلس خمسة دول تمتلك حق الفيتو (النقد)، وهي الدول التي خرجت منتصرة في الحرب العالمية الثانية. وينص ميثاق الأمم المتحدة على أنه لا يجوز إصدار قرار من مجلس الأمن إلا إذا اكتملت تسعة أصوات من الأعضاء 15 من بينهم الأعضاء 5 الدائمين. غير أن حق الفيتو الذي يمتلكه الأعضاء الدائمون يعتبر نظاما لا يعكس الحقائق الجيوسياسية الحالية، ويكرس الظلم باستمرار ضد الدول الضعيفة، فبريطانيا وفرنسا لم تعودا قوتين كبيرتين رئيستين اقتصاديا وعسكريا في العالم، وإذا أردنا أن نعرف مفهوم الأمن فإنه يرتبط بإقامة العدل بين شعوب العالم، لأن غاية الحكم هو ضمان الأمن الذي يجعل الحرية السياسية والفكرية ممكنة، ويساعد على التحرر من الخوف الذي هو شرط لأية حرية سياسية.

فمجلس الأمن بتركيبته الحالية يعد نظاما تعسفيا وغير ديمقراطي، ولا يكون عادلا ومنصفا إلا بإلغاء حق النقد الذي هو حق غير شرعي، وبعد ذلك سوف يسود العدل وتكون للأغلبية كلمة ترضي جميع أمم الأرض. فليس من حق أي دولة من الدول الخمسة فرض عقوبات على دول لا تمتلك حق النقد، وليس من حقها كذلك أن تفرض عليها حلولا تعسفية . فالمجتمع الدولي يتكون من دول وشعوب مختلفة، ولا يتكون من خمسة دول تمثل كل شعوب العالم، وهو أداة تستخدم للقمع والقهر ضد الدول المستضعفة. يتصرف في قضايا كثيرة بازدواجية المعايير والمواقف ضمن سياسات المصالح والمساومات على حساب شعوب العالم، وعلى هذا الأساس فهو  هيئة ديكتاتورية لا تنصف أصحاب الحقوق الضائعة، ولا تحقق التوازن الدولي منذ أربعينات القرن الماضي.   

.فقارة إفريقيا مغيبة بالكامل وليس هناك من يمثلها في مجلس الأمن باعتبار دولها ضعيفة، والكثير منها فقيرة، وكذلك لا يوجد من يمثل نصف القارة الجنوبية لأمريكا بالرغم من وجود دول كبيرة مثل البرازيل والأرجنتين. وأستراليا هي كذلك مغيبة في هذا المجلس بالرغم من أنها قارة، بالإضافة إلى أنه لا يوجد من يثمل البلدان الإسلامية والعربية وهم ربع العالم.   

فمنذ أن نشأ مجلس الأمن الذي يملك أعضاؤه حق الفيتو وهم يعبثون بقراراته، تستغلته الولايات دوما لحماية إسرائيل من انتقادات المجتمع الدولي وممارساتها الاستبدادية ضد الشعب الفلسطيني، أو محاولة الحد من الاستيطان أو الحد من أعمال الجيش الإسرائيلي. وأنه لا يمكن بأي حال إصدار قرار من هذا المجلس يدين إسرائيل أو دولة عضوة في المجلس في حال ما إذا اعتدت على دولة من الدول أو انتهكت ما يخالف القوانين الدولية. وبالتالي أصبح الفيتو الأمريكي أداة حماية خاصة بإسرائيل وضد استعادة الشعب الفلسطيني لحقه المغتصب، واليوم أصبحت روسيا تستخدمه من أجل بقاء نظام ديكتاتوري إجرامي يقتل شعبه في سوريا.

فمجلس الأمن على صورته الحالية يحتاج إلى إصلاح عميق يواكب تطور العصر الحديث علميا وثقافيا وسياسيا وإنسانيا، من أجل أن يساهم في استتباب الأمن واستقرار العالم، والارتقاء به ليكون مقبولا من جميع الدول، ويتمتع من قبلها بمصداقية كبيرة، في إطار منظومة الأمم المتحددة، وإزالة عدم الاطمئنان لعمل هذه المؤسسة الدولية، والتشكيك في مصداقيتها، وفقدانه للآلية المتفق عليها، وأن تعامله بالمعايير المزدوجة طيلة خمسين سنة من خلال بعض المواقف المنحازة لطرف دون طرف آخر في عدة قضايا دولية فقدته المصداقية كليا، واستمر على هذه الحال فإن عدم الرجوع إليه هو القرار الأفضل. ومن هذا المنطلق فإن مجلس الأمن أصبح يحتاج إلى معالجة المصداقية التي من مواصفاتها الإيجابية السعي لإقامة نظام جماعي يتميز بالإنصاف والقوة والفعالية، وترسيخ الديمقراطية واحترام سيادة القانون، والتمثيل الواسع الذي يشمل كل أجناس العالم، ولا يمكن أن يقتصر على التمثيل الحالي الذي لا يمثل كل شعوب العالم.

فهو لم يعد مقبولا من قبل جميع دول العالم كهيئة تتمتع بمصداقية كاملة، بل أصبح يتعرض لأزمة ثقة كبيرة على مستوى كل الأصعدة، سواء كانت وظيفية أو بنيوية، أو سياسية، ولذلك فهو يحتاج إلى صيانة جديدة تمنحه صورة مغايرة للوضع الذي ظل عليه منذ نشأته إلى اليوم. لأنه لم يعد يلبي مطالب المجتمع الدولي، ولا باستطاعته أن يتخلص من هيمنة الدول الدائمة التي تفرض باسمه قرارات ارتجالية تصب في مصلحتها بالأساس.             

 ومن أجل مصلحة الدول الدائمة أصبحت هذه المؤسسة المطلقة الصلاحيات تشهد تعارضا في ازدياد دورها على الصعيد الدولي، رغم أن الفقرة السابعة من المادة الثانية لميثاق الأمم المتحدة تقول: ( ليس في هذا الميثاق ما يسوغ للأمم المتحدة أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي ). لكن الدول صاحبة الفيتو أصبحت تملك حق التدخل الانتقائي والمتحيز في الشؤون الدول الداخلية وعدم التقيد بالقوانين ميثاق الأمم المتحدة والرجوع إليها. ولأسباب عديدة بدأت الكثير من الدول والمؤسسات الحقوقية في العالم تطالب بضرورة إصلاح  مجلس الأمن باعتباره يملك سلطات تجيز له استخدام أعمال تعسفية والإساءة لقانون الأمم المتحدة، وأن تعامله مع بعض القضايا العالمية أثارت اشمئزازا كبيرا لدى الرأي العام العالمي. ومما يثبت أن مجلس الأمن هيئة قمعية تستخدم لمصلحة الأعضاء الخمسة. ما قامت به فرنسا وبريطانيا في افشال قرار لمجلس الأمن بشأن العدوان الثلاثي على مصر، وأبطلت الولايات المتحدة وبريطانيا كل القرار التي تدين ممارسات التمييز العنصري في جنوب إفريقيا في الثمانينات، كما أبطلت الولايات المتحدة كل قرارات مجلس الأمن التي تدين إسرائيل، كما أن الروس والولايات أبطلوا عدة قرارات لمجس الأمن تتعلق بأفغانستان وفيتنام. إذن، فهو مجلس استبدادي ديكتاتوري يمارس الظلم والعدوان على الصعيد العالمي.   
فهذا المجلس يفرض عقوبات قاسية على إيران على خلفية ملفها النووي، والدول المكونة له تعد مستودعا كبيرا للأسلحة النووية والبيولوجية والكيماوية، والمخزون الذي تملكه أي دولة من هذه الدول بإمكانه تدمير الكرة الأرضية عدة مرات.
فلا يعقل أن يحرم دولا بامتلاك تقنية نوويية وأعضاءه يملكون ترسانات بإمكانها إبادة البشرية في ساعات. فهذه مفارقة عجيبة، ولذلك فإن هذا المجلس لا يستطيع أن يشكل نموذجا للسلم والأمن والعدالة والحرية والديمقراطية، وهو في بنية قوانينه يوجد غياب كامل للمساوة والشفافية، ما يصعب عليه اصدار قرارات عادلة، فضلا عن أن الولايات المتحدة وضعت مجلس بعد أحداث 11 سبتمبر أمام خيرين: إما إقراره للخطوط العامة لسياستها. وإما أن تتجاوز وجوده نهائيا، ومن خلال هذا المجلس الذي نصبت نفسها عليه تريد أن تفرض امنها القومي وتصورها للأمن الإقليمي على العالم، فكيف نطلب الأمن والعدل والديمقراطية من مجلس يعتبر من المؤسسات الديكتاتورية في العالم، بخمس دول تتحكم في مصير كل الشعوب. 

الخميس، 31 أكتوبر 2013

مَهَمَةُ الجيوش العربية



بعد هزيمة الجيوش العربية في حرب أكتوبر 73 تأكد أن العرب لن يفكروا أبدا مرة أخرى في محاربة إسرائيل، لأنه تبين من خطط الجيش المصري أنه كان هدفه من عبور القناة استعادة شريط عرضه 12 كلم، لجعله ورقة ضغط على إسرائيل من أجل وضعها أمام الأمر الواقع حتى تقبل بمفاوضات تنتهي بانسحابها من سيناء، لأن الجيش المصري لم يكن يملك الامكانات اللازمة لاستعادة سيناء بالكامل. وعندما بدأ بالحرب لم يقرأ أفكار عدوه ومكائده وحيله ويدرس جميع الاحتمالات المترتبة عن تداعيات الحرب، ويسد في وجهه جميع الثغرات التي يمكن أن يستغلها في كل المواقف والتطورات في أرض المعركة الواسعة. وقد بينت لنا نتائج الحروب التي خاضتها الجيوش العربية، أنها كانت جيوش كارتونية تستنزف أموال الأمة المنكوبة بحجة شراء الأسلحة التي تحمي الوطن، وهي في حقيقة الأمر جيوش متورمة لا تصلح لحماية وطن ولا لتأمين الشعب، فقد أصبحت تحمي الحاكم من شعبه والمفسدين من حوله، وقد بدا واضحا أنها لا تصلح لقتال الأعداء ولا للدفاع عن الأوطان، وخير مكان لها في الشوارع لقمع شعوبها.  
أدلة تثبت هزيمة الجيوش العربية في حرب أكتوبر 1973 ـ مفاوضات الكيلو 101 ـ الجزء الخامس 
المنطق يقول أن البادئ بالحرب إذا تحققت أهدافه فقد انتصر مهما كثرت تكاليف خسائره المادية والبشرية ونفقاتها، ويعتبر المهاجم عليه خاسرا في المعركة. وأما إذا لم تحقق الأهداف الرئيسة للمهاجم فهو خاسر. ولو لم يخسر ماديا وبشريا أو خسارة مساحة أرضية. والنتيجة في هذه الحال يكون الطرف المهاجم عليه مهما كانت خسائره كبيرة فهو المنتصر، لأنه أفشل تحقيق أهداف المهاجم. وهذا ما ينطبق على الحالتين المصرية والسورية. وفي هذا المعنى يقول الفرنسي اندري بوفر: "  النصر هو أن تحطم عدوك، أو أن تجعله في موقف يقبل بما تمليه عليه من شروط الاستسلام".
وبما أننا بصدد محاولة جلاء الحقيقة وكشف الغبار عن أهم الأحداث في حروب الشرق الأوسط، بما توافر لدينا من معلومات حول حقيقة الانتصار الوهمي، وجب على كل كاتب نزيه إجرى بحث في ثنايا أرشيف التاريخ لكشف الحقيقة وتبيانها بعدما أعتراها التشويش من الجانبين، وبما أن كل طرف في هذا يصر ويدعي أنه خرج منتصرا سياسيا وعسكريا. ومن حق جيلنا والأجيال القادمة معرفة حقيقة حرب أكتوبر وحروب أخرى. ولا نتقصى حقائقها إلا إذا جردنا عقولنا من العاطفة والميولات العرقية والانتماءات لأي كان نوعها.
إذن، ما نستنتجه من هذا البحث هو أن الجيوش العربية انهزمت عسكريا أمام الجيش الإسرائيلي على الجبهتين السورية والمصرية، وأصيبت بنكبة أخرى. ولا يعقل أن تعتبر مصر الهزيمة نصرا استراتيجيا بالرغم من أن صور الهزيمة واضحة ومؤكدة، ومن الاستهزأ بعقول المصريين أن تخصص ليوم 6 أكتوبر عيدا للنصر. أي نصر يتحدث عنه نظام ثبت أنه استعاد سيناء وفقا لشروط مذلة يبقى بموجبها عميلا لأمريكا وإسرائيل، وأن لا يمارس سيادة كاملة على سيناء؟!
إن النصر الحقيقي هو لو أن مصر تمكنت تحرير أرض سيناء بالكامل، لكن الذي حصل وجعل الناس يعتبرونه نصرا، هو تمكين الجيش المصري من اقتحام واختراق حائط برليف والتوغل بضعة كيلومترات خلف الجدار. في الحقيقة أن تقدير الخسائر المادية والبشرية التي لقيت الجيش المصري تؤكد من دون شك أن الجيوش العربية منيت بهزيمة كبيرة، ولكن الأنظمة العربية الشمولية تعتمد صيغ المبالغة والاعتماد على الدعاية الكاذبة في قضايا دقيقة ومصيرية، وذات الأنظمة الفاسدة تعالج خذلانها وخيباتها بمعسول الإعلام الزائف وأنماط الكلمات البراقة. إن الحديث عن نصر حققه العرب في حرب أكتوبر 73 لا يصح فيه شيئا. ومن باب المنطق فإن القائلين بانهزام إسرائيل في الحرب هو من باب المبالغات العربية المعهودة التي تعودت الكذب على شعوبها، خصوصا وأن مجلس الأمن كان ققد أصدر قرارا بوقف القتال وإسرائيل ما زلت محتفظة بأراضٍ جديدة.
في كل الحروب التي خاضتها الجيوش العربية ضد إسرائيل جرعتها هزائم عسكرية كبيرة، وكانت خسائرهم في الأرواح والأموال أكثر بكثير من خسائر إسرائيل وتخرج من كل حر أكثر استقواء على الجيوش العربية، وترفع من سقف شروطها للسلام أو التخلي عن منطقة من المناطق المحتلة، ومع كل هذه الهزائم النكبات يخرج علينا القادة الظلاميين والجنرالات المهزومين فرحين يحدثوننا بأنهم حققوا نصرا عظيما.
لنكن منطقيين وموضوعيين في أحكامنا على الأشياء، منذ متى انتصرت الجيوش العربية على إسرائيل بالمفهوم العسكري؟ ومنذ متى فقدت إسرائيل أرضا وأرواحا كثيرة، وتنازلت عن قرار أو عن شيء يهين كرامة الإسرائيلي؟ وفي أي حرب وصلت طائرات وصواريخ الجيوش العربية إلى قلب إسرائيل ودمرت بنية من بنياتها التحية؟ فأين النصر الذي حققته سوريا وأرض الجولان وزيادة ما زالت محتلة؟ وأي نصر حققته مصر وهي تتحدث عن حرب أكتوبر بفخر وابتهاج؟ وقد استرجعت سيناء وهي منزوعة السيادة وفقا لشروط مذلة. ومن تلك الشروط أنه يسمح بوجود فرقة مشاة عبارة عن شرطة مدنية ويمنع عليها إدخال أسلحة ثقيلة إلى سيناء. ومن الشروط التي فرضتها إسرائيل على مصر هي أن تتخلى عن دعمها للمنظمات التحررية كحماس وغيرها.
كم كنا سذجا عندما صدقنا بأن الجيوش العربية انتصرت في حرب أكتوبر 73، ولكن بمجرد ما بدأنا نقرأ واقع أحداث الحرب اكتشفنا أن الأنظمة لاستبدادبة دأبت منذ أن اغتصبت الحكم على تضليل شعوبها بالأكاذيب وتزييف الحقائق والوقائع. غير أن  قراءة الأحداث من ثنايا الواقع الميداني تؤكد من دون شك أن إسرائيل قد انتصرت على الجيوش العربية مجمعة في حرب 73. وأن هذه الجيوش التي تلتهم موازنات ضخمة من أموال شعوبها منيت بهزيمة مريرة، ولولا تدخل الدول الكبرى لإيقاف الحرب لتحولت إلى هزيمة لا مثيل لها في التاريخ، وأن الموقف السياسي في الأخير كان لصالح إسرائيل. فقد أعطت أوامر لجيشها بأن يتوقف عن احتلال دمشق وكان بإمكانه احتلالها، وأن لا يزحف غربا لاحتلال القاهرة، وذلك خوفا من تدخل الاتحاد السوفيتي الذي وجه انذارا مباشرا لاسرائيل بإرسال قواته إلى القاهرة إن استمرت في الهجوم والتوجه نحو القاهرة، أو محاولة دخول دمشق. وكان قد قرر تعويض الجيش المصري عن بعض خسائره من الدبابات ومنحها 250 دبابة من طراز تى 62 ، كما قدم رئيس يوغسلافيا (تيتو) مساعدة عسكرية تمثلت في لواء كامل من الدبابات ووضعه تحت تصرف الجيش المصري.
يقول موشي ديان في مذكراته: " أعطينا الأوامر لقواتنا أن تكون دمشق في مرمى مدفعيتنا ولكن لا نحتلها، ولم تسمح الولايات المتحدة الأمريكية أن يتم تحطيم الجيش الثالث أو أسر أفراده وإحكام حصاره وتركه يموت جوعا أو عطشا، لأن ذلك أيضا سيؤدي إلى تدخل السوفييت ". أخذا بالاعتبارات السابقة فإنه إذا تدخل السوفييت عسكريا فإن أمريكا هي الأخرى ستتدخل عسكريا لدعم إسرائيل دعما مباشرا مما يؤدي الموقف إلى نشوب حرب عالمية. وخوفا من الهزيمة العسكرية التي أصبحت مؤكدة، وحفاظا على ماء الوجه هرول السادات إلى اعلان وقف اطلاق النار، لأنه كان يعلم أن استمرار الحرب ليست في صالحه، وأن الإسرائيليين اكتسبوا وضعا سياسيا يجعلهم  في موقف قوة لفرض شروطهم بعد احتلال مناطق جديدة.     
لقد أنشئت بعد انتهاء الحرب لجنة تسمى " أجرانات " في إسرائيل هدفها الضغط على الحكومة لكشف نتائج الحرب، وحاجة العائلات لمعرفة مصير الأسرى والمفقودين وحتى جثامين القتلى، وبالتالي شكلت ضغطا على الحكومة الإسرائيلية، وكان بإمكان المصريين استغلال هذه النقطة في المباحثات بينهم وبين الإسرائيليين في فض الاشتباك وحصار الجيش الثالث الميداني، وهذا ما غفل عنه الجانب المصري أو تجنب طرحه عمدا. وبالرغم من أن الجيش الإسرائيلي قد استعاد قوته بعد أيام من المعارك وحقق نتائج مذهلة إلا أن الشعب الإسرائيلي خرج في مظاهرات مطالبا باستقالة الحكومة ومحاسبتها لأنه كان شعب لا تنطلي عليه الخدعة والتضليل، بينما خرجت الشعوب العربية كالعادة تطبل للفاشلين والمنهزمين في الحرب.
 بعد وقف اطلاق النار بين الطرف المصري والإسرائيلي جاءت مفاوضات الكيلو 101 بتاريخ 26 أكتوبر 73، فترأس الجانب المصري الفريق محمد عبد الغني الجمسي بصفته أصبح رئيسا لأركان الجيش خلفا للفريق سعد الدين الشاذلي الذي عزله السادات، ومثل المفاوض الإسرائيلي أهارون باريف و ديفيد إليعاذر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، فوقع الطرف الأول على إتفاقية تشمل ستة نقاط كلها خاصة بفك حصار الجيش الثالث الميداني،  ووقع الطرف الإسرائيلي اتفاقية فض الاشتباك، حيث دامت مباحثات الكيلو 101 سبعة عشر اجتماعا، عشرة منها كانت كلها خاصة بالاتفاق على فك الحصار على الجيش الثالث الذي أوشك أفرده على الموت جوعا وعطشا، وما هي السبل التي يمكن من خلالها توصيل الإمدادات الطبية والغذائية، دون أن ننسى أن فايد وأبو سلطان والسويس كلها وقعت تحت الاحتلال وأن الطرق الرابطة بينها وبين القاهرة انقطعت.
وأما السبع الاجتماعات الأخرى فكانت مخصصة لفض الاشتباك. وكانت إسرائيل تعلم أن أضعف نقطة لدى الجانب المصري هو حصار الجيش الثالث إذ يمكن أن تقبل بكل الشروط الإسرائيلية من أجل التعجيل بإخراجه من الحصار. ولذلك جاءت نتائج المفاوضات بشكل مهين للمصريين، فقبلوا الاتفاقية بوجه ذليل، وأن تنقل الامدادات إلى الجيش الثالث في شاحنات، ثم تسلم عند مدخل مدينة السويس للجيش الإسرائيلي، ومن ثم يقودها  إسرائيليون ويسلمونها إلى الجيش المصري المحاصر، بعدما ينهب أكثرها. ولا يصل منها إلا القليل. في المرحلة الثانية منها مرحلة السبعة اجتماعات الخاصة بفض الاشتباك بين القوات طرح الجانب الإسرائيلي بعض المبادئ العامة لتنفيذ فض الاشتباك. وكان الجانب الإسرائيلي يشعر بأنه في موقف قوي، ما جعله كل مرة يخلق متاعب جديدة للمفاوض المصري، لذا فإن مفاوضات فك الاشتباك عانت مصاعب كبيرة، وفي كل مرة يزعم الجانب الإسرائيلي أنه غير مفوض في الفصل في هذا الأمر أو ذاك، حتى أن المفاوضات كادت أن تفشل تماما، لولا زيارات كيسنجر المكوكية لكل من القاهرة وتل أبيب حيث تمكن من التقريب بين وجهات نظر الطرفين والتفاهم على نقاط الخلاف والتقريب بينها لإخراج المفاوضات إلى التطبيق. وانتهت الموفاوضات بموافقة  السادات مع كسينجر في مباحثات أسوان على تخفيض عدد القوات المصرية الموجودة في سيناء الذي يبلغ تعدادها حوالى 100 ألف إلى 7 آلاف رجل، وثلاثين دبابة فقط،  دون أن يستشير القيادة العسكرية التي بدت غير موافقة. كما أن السادات وافق على مطالب أمنية لصالح إسرائيل دون الرجوع إلى قائد الجيش.
قصارى ما يجب أن نتوقف عنده هو أن المصريين في الهجوم المباغت أو المرحلة الأولى حققوا بعض الأهداف المحدودة، واستعادوا 2% فقط من مساحة سيناء المحتلة، ولكن بعد أيام من المعارك استعادت إسرائيل المبادرة والسيطرة الميدانية، وتمكنت من احتلال أراضٍ جديدة داخل مصر في غاية الأهمية لأول مرة، مساحتها أكثر ما استرجعه الجيش المصري شرق القناة ، زيادة على حصار الجيش الثالث الذي يبلغ تعداده 45 ألف فرد، ولولا توقيف القتال لكان أفراده قد ماتوا جوعا وعطشا أو استسلموا للجيش الإسرائيلي فرادى وجماعات. وبالرغم من أن الجيش الإسرائيلي هزم الجيشين المصري والسوري في الأيام الأخيرة قبل وقف اطلاق النار إلا أن الشعب الإسرائيلي لم يكن راضيا على أداء حكومته في الحرب، وخرج في مظاهرات عارمة مطالبا باستقالة الحكومة ومحاسبتها طالما أنه يوجد لدى الجانب الآخر أسرى وجرحى إسرائيليون، لأنه شعب لا تحكمه العاطفة ولا ينساق وراء الأكاذيب، ولا ينطلي عليه الخداع، ويعرف كيف يقيم أداء حكامه وجنرالات جيشه. بينما انطلت خدعة الانتصار الاستراتيجي على الشعوب العربية وخرجت في مظاهرات تهلل وتصرخ بحناجر عالية تحيي الحكام المهزومين والجنرالات المتخاذلين. فإذا كان الجيش المصري قد استعاد بضع 
كيلومترات واعتبرها انتصارا استراتيجيا، فكيف نفسر، وأي ووصف نطلقه على العبور المعاكس الذي حققه الإسرائيليون بعد احتلالهم لأراضٍ مصرية جديدة غرب القناة؟ لا شك أنهم حققوا أهدافهم السياسية والعسكرية كاملة وضمنوا أمنهم الاستراتيجي من خلال تركيع الجيوش العربية في حربي 67 و73، وحافظوا على تفوقهم الكيفي على العرب. أهمها الشروط المذلة التي قبل بها النظام المصري. فهل استعادة شريط عرضه 12 كلم انتصار استراتيجيا؟
 عبد الفتاح بن عمار


الأربعاء، 30 أكتوبر 2013

هزيمة الجيوش العربية في حرب 73 ـ الثغرة ـ الجزء الرابع

بدأت معركة الدفرسوار بعد تطوير الهجوم المصري كما يقول القادة العسكريون المصريون، وسحب قوات الاحتياط التي كانت تحرس الجسور في هذه المنطقة من الجبهة الشرقية لقناة السويس، وتقوم بدور حماية مؤخرة الجيشين الثاني والثالث، ولكن حسب تصريحات القادة الإسرائيليين فإنهم كانوا على علم مسبقا  بخطة الهجوم المصري وتفاصيله والجدول الزمني لدى المخابرات الإسرائيلية، والعملية التكتيكية لسحب قوات الاحتياط من منطقة الدفرسوار، ولكن ما وقع كما يقول الإسرائيليون هو أن وزير الدفاع تقاعس في اتخاذ الإجراءات الفورية، وبالتالي فإن الإسرائيليين كانوا على علم بأن منطقة 
الدفرسوار ستكون خالية من قوات الاحتياط بعد التطوير، ولهذا السبب كانت معركة الإسرائيليين أشدة استماتة في المزرعة الصينية من أجل فتح الطريق والالتحام بقوات شارون الذي كان قد وصل بقواته إلى شاطئ القناة.
 أرجع الجنرال الجسمي قائد الأركان المصري اكتشاف الإسرائيليين للثغرة بواسطة طائرات استطلاع أمريكية كانت  خارج مدى رمي صواريخ الدفاع الجوي تراقب تحركات القوات المصرية بعد التطوير. وكان الإسرائيليون قد شيدوا جسرا متحركا طوله 180 مترا ووزنه 400 طن، قبل عام من بدء الحرب تحسبا لأي مواجهة محتملة، وقد جرته 12 دبابة عبر الصحراء، ولما أوصله المهندسون 
الإسرائيليون إلى شاطئ القناة، تم تعويمه ليلا بواسطة 50 دبابة عبر طوافات قابلة للنفخ، واستغرق تركيبه 3 أيام على بكرات معدنية، وسط هجمات الطيران المصري الذي فشل في تدميره. ورأت القيادة الإسرائيلية أنه لا يمكن الاعتماد على جسر واحد لعبورها قواتها، فشرع المهندسون الإسرائيليون في بناء جسرين آخرين لتمكين مرور قواتهم بأقصى سرعة، وتم إنشاء الجسرين في ظرف قصير.
قبل بناء الجسور وعبور قوات شارون المدرعة، كانت قوات المظليين الإسرائيليين قامت  بعملية إنزال جوي على شاطئ مياه القناة شرقا، ثم استخدمت قوارب مطاطية عبرت بها إلى الجهة 
الأخرى في يوم 15 أكتوبر 73، وحسب الخطة الإسرائيلية فإن هذا الانزال المظلي هدفه فتح الطريق ووتأمينه لوصول قوات شارون المدرعة ليلا، وإقامة الجسر لعبور قناة السويس إلى الضفة الأخرى. وفي يوم 16 أكتوبر حاولت القوات المصرية قطع الطريق أمام فرقة شارون المدرعة عندما وصلت إلى شاطئ القناة، ومنع وصول المعدات المخصصة لبناء الجسر إليه، وأصبحت شبه منقطعة عن القوات الخلفية. ولكن القوات الإسرائيلية الأخرى أدركت حجم الخطر الذي يهدد قوات شارون، فخاضت معارك شديدة من أجل الاتصال بالقوات الأمامية.
في هذه الأثناء حاول اللواء 25 مدرع من الجيش الثالث الميداني 
الموجود جنوبا الزحف نحو الشمال للاتصال بالفرقة 21 مدرعة التابعة للجيش الثاني الميداني الموجودة في الشمال، متجهة جنوبا للاتصال باللواء 25 مدرع وسد الثغرة وقطع الامداد عن قوات شارون ومنع القوات الإسرائيلية الخلفية من الاتصال بالقوات الأمامية التي وصلت مياه قناة السويس. وكان الفريق الشاذلي قائد الأركان المصرية قد عارض بشدة خطة تحرك اللواء 25 مدرع شمالا والفرقة 21 مدرعة جنوبا لأن هذه المنطقة كانت خارج نطاق نيران صواريخ الدفاع الجوي، وليس بإمكانها حماية تلك الوحدات من ضربات الطيران الإسرائيلي. إلا أن اللواء 25 مدرع تحرك شمالا. ويبدو أن الجيش الإسرائيلي كان يراقب تحركه فهاجمته 3 ألوية مدرعة إسرائيلية، فاسندت إلى لواء مدرع بمهاجمة اللواء المصري 25، ولواء آخر قام بتطويقه من الخلف وتم القضاء عليه نهائيا.
وكانت الخطة الإسرائيلية تهدف كذلك إلى تكليف لواء مدرع لايقاف تقدم الفرقة 21 مدرعة في الشمال الذي تعذر عليه سد الثغرة والصمود أمام الهجوم الإسرائيلي القوي مما سهل اتصال الفرق الخلفية بفرقة شارون والبدء في عملية عبور الفرق الثلاثة عبر الجسور.
كانت معركة المزرعة الصينية معركة حياة أو موت بالنسبة للإسرائيليين، وهي منطقة تقع بين الجيشين الثاني والثالث، تسيطر عليها مفرزة مصرية بقيادة المقدم أركان حرب محمد حسين طنطاوي الذي أصبح في عهد حسني مبارك وزيرا للدفاع، وكان لا بد من الاستيلاء عليها والقضاء على الكتيبة المصرية التي تسيطر عليها لأنها الجسر الذي يوصلها إلى القوات الأمامية، فقامت القوات الإسرائيلية بمهاجمة منطقة المزرعة بلواء مظلات بقيادة الجنرال (عوزي بائر) الذي خسر في المعركة ونجا هو ونائبه من الوقوع في الأسر، ثم تدخلت المدرعات الإسرائيلية لإخلاء الجرحى من ميدان المعركة. في هذه الأثناء قام الجنرال (برن) بالهجوم على ثلاثة محاور:
ـ المحور الأول في اتجاه الشمال للضغط على الجيش الثاني الميداني.
ـ المحور الثاني في اتجاه الجنوب للضغط على الجيش الثالث الميداني.
ـ المحور الثالث في اتجاه الغرب للهجوم على المزرعة الصينية التي كانت عقبة في وجه تقدم القوات الإسرائيلية نحو قناة السويس والاتصال بقوات آرييل شارون الموجودة على أطراف مياه القناة. حيث خاضت القوات الإسرائيلية معارك تصادمية بالمدرعات وقتال مباشر  مكنت في الأخير قوات الجنرال (برن) من فتح الطريق وإيصال معدات وجسور جاهزة للعبور إلى شارون يوم 17 أكتوبر ، وتمت عملية عبور المدرعات عبر نقطة الدفرسوار إلى الضفة الغربية من القناة.
يعترف وزير الدفاع الإسرائيلي أنهم تكبدوا خسائر كبيرة من أجل تحقيق هذا الهدف قائلا: " تكبدنا في معركة المزرعة الصينية خسائر فادحة، إلا أننا كنا مصممون على إتمام العملية حتى ولو تم إفناء القوات كلها ". ويصف معركة المزرعة في مذكراته " قصة حياتي " بأنها كانت شديدة الوطيس، وعندما اقتربت الدبابات ببعضها البعض كانت أشد. ثم توالى عبور المدرعات الإسرائيلية إلى الضفة الأخرى للقناة حتى وصل عدد الوحدات إلى ثلاثة فرق، وسارت على محورين:  
ـ المحور الأول:  اتجهت فرقة مدرعة يقودها شارون بمحاذاة القناة لتطويق مدينة الإسماعيلية شمالا واحتلالها. غير أنها اصطدمت بالفرقة المصرية 4 مدرعة التي تصدت للقوات الإسرائيلية وأوقفت تقدمها نحو الإسماعيلية. 
ـ المحور الثاني: اتجهت فرقة لتطويق مدينة السويس والوصول إلى مؤخرة الجيش الثالث الميداني وضرب حصار عليه وقطع الإمداد عنه.
حسب مذكرات الفريق عبد المنعم وائل ( الصراع العربي الإسرائيلي" أنه قال: " استدركنا ما كانت تهدف إليه الخطة الإسرائيلية، فقمنا بنقل الامدادات الإدارية كالطعام والشراب والذخيرة وكل ما يحتاجه الجيش إلى الضفة الغربية من القناة لتفويت الفرصة على القوات الإسرائيلية بعدم استطاعتها خنق الجيش الثالث مما كان له الأثر الإيجابي بعد حصاره. ولكن القوات الإسرائيلية نجحت في تدمير مؤخرة الجيش الثالث، واحكمت حصارها على مدينة السويس واحتلت ميناء الأدبية جنوب المدينة وقطعت الطريق المؤدي إلى القاهرة، وصارت بعيدة عنها بمسافة ساعتين (100) كلم، وأن القوات المصرية التي كانت أمام القوات الإسرائيلية ضعيفة ليس بمقدورها رد القوات الإسرائيلية والدفاع عن مدينة القاهرة، لو أراد شارون الزحف في اتجاهها.
ويعترف الفريق منعم بأن الجيش الإسرائيلي دخل مدينة السويس فعلا، وحاول أحد الجنود رفع العلم الإسرائيلي فوق مبنى المحافظة، إلا أن الأهالي أردوه قتيلا وتطردوا الجنود الإسرائيليين خارج المدينة يوم 24 أكتوبر، وهو اليوم الذي أصبح في ما بعد عيدا للمدينة. وعلى ضوء ذلك يقول موشي ديان في تصريح له: " لو استطعنا الاستيلاء على مدينة السويس، لكان لهذا أثره الكبير في مفاوضات وقف اطلاق النار ولكن هذا لم يحدث ".
 من أهم أسباب ترك ثغرة في منطقة الدفرسوار كما يقول الفريق الشاذلي نلخصها في النقاط التالية:
أولا: تدخل القيادة السياسية والتأثير في قرارات القيادة العسكرية، على عكس القيادة السياسية الإسرائيلية كما يقول موشي ديان وزير الدفاع أن وزير الدفاع لا يتخذ قرارا إلا بما يشير عليه رئيس الأركان وفقا لتقارير استخباراتية، وليس من شأن القيادة السياسية التدخل في قرارات الجيش كما أن الجيش لا يتدخل في شؤون القيادة السياسية.
ثانيا: لم يتلق قائد الأركان تقارير استخباراتية ميدانية تكشف حقيقة الموقف كما هو، حيث تلقى تقريرا من قبل قائد اللواء الذي وقع فيها الاختراق مفاده أن عدد الدبابات سبعة فقط، والحقيقة هي أنه كان يوجد لواء مدرع.
من أهم أخطاء القيادة الميدانية التي ساعدت في توسع القوات الإسرائيلية:
1/: اعطت قيادة الجيش اهتماما لحماية طريق الاسماعيلية القاهرة، ولم تعطِ الحماية نفسها للطريق الرابط بين السويس والقاهرة ما سهل للقوات الإسرائيلية التوجه جنوبا ومحاصرة مدينة السويس وتطويق الجيش الثالث.
 2/: تمكنت الفرقة الإسرائيلية بالاقتراب من قواعد صواريخ الدفاع الجوي وتدميرها وسهل للطيران الإسرائيلي بحماية قواته والوصول إلى ضرب قواعد مصرية.   
3/: لم يحصل وزير الحربية على معلومات دقيقة حول الموقف والثغرة، وعندما أتصل به الفريق عبد المنعم واصل يخبره بأن قواته تتعرض إلى قصف إسرائيلي شديد، أجابه وزير الحربية بأن هذا القصر يقوم به الطيران المصري وليس إسرائيلي؟!!  يقول موشي ديان: " أن قائد الجيش المصري سعد الدين الشاذلي لم يكن يدرك ما تنوي القوات الإسرائيلية عمله من العملية " الغزالة أو الثغرة "، وهذا ما مكن من حدوثها ". وهذا يؤكد أن القيادة العسكرية المصرية كانت تعاني من نقص في المعلومات حول الموقف الميداني تارة،  ومن عدم دقة المعلومات المرفوعة إليها تارة أخرى، ما يضع استفهامات كثيرة؟؟
عندما تم توقيف القتال الفعلي يوم 28/10/73 كانت القوات الإسرائيلية قد احتلت مساحة شاسعة من الأراضي المصرية بين الإسماعيلية ومدينة السويس وأصبحت على بعد 100 كلم فقط من القاهرة. وحوالى 45 ألف من  الجيش الثالث الميداني محاصرا من كل الجهات. وفي الوقت الذي توقف فيه القتال على الجبهة السورية كان الجيش الإسرائيلي على بعد 25 كلم من العاصمة دمشق.
عبد الفتاح بن عمار  ( الموضوع منقول عن كتابي: ( المسلمون من عهود الاحتلال واستبداد الحكام إلى ثورات الحرية والانعتاق).










السبت، 26 أكتوبر 2013

هزيمة الجيوش العربية في حرب أكتوبر 73 ـ حدود تغطية الدفاع الجوي للقوات المصرية المهاجمة (الجزءا الثالث)

من ناحية التخطيط والتحضير للمعركة والإمكانات والوسائل المخصصة لعبور القناة يمكن القول أنه بلغ مستوى عاليا، لو وضع في الحسبان استمرار الحرب لتحرير سيناء بالكامل، ولذلك فقد تبين من خلال الهجوم الذي اقتصر على العبور أن مهمة الجيش المصري كانت محدودة، حيث وضعت حسب قدرة ومدى تغطية عناصر الدفاع الجوي للجيوش المهاجمة أو المنطقة التي توجد على أرضها القوات المقاتلة، والخريطة تبين بوضوح أن الدفاع الجوي المصري كان لا يستطيع تغطية القوات التي تتجاوز 20 كلم. ومن أكبر الأخطاء التي ارتكبتها قيادة الأركان المصرية هو أنها تركت ثغرة كبيرة طولها من 17 إلى 20 كلم بعد تطوير الهجوم بين الجيشين الثاني والثالث التي استغلها الجيش الإسرائيلي بذكاء خارق ليتسلل من خلالها إلى خلف القوات المصرية والاستيلاء على مناطق جديدة.
عبد الفتاح بن عمار 

الجمعة، 25 أكتوبر 2013

هزيمة الجيوش العربية في حرب 1973 ـ تدخل مجلس الأمن في إيقاف الحرب (الجزء الثاني)


في ظل اشتداد المعارك على الجبهتين (السورية والمصرية)، أصدر في هذه الأثناء مجلس الأمن قرارا تحت رقم 338 يقضي بتوقيف القتال، وأي نشاط حربي جوي وبري وبحري فورا، والبدء بمفاوضات بين الأطراف المتحاربة. وكانت مصر مجبرة على قبول توقيف القتال بعدما عبرت القوات الإسرائيلية قناة السويس في منطقة الدفرسوار والاستيلاء على أراضٍ جديدة غرب القناة وجنوب الإسماعيلية وشمال وغرب مدينة السويس يومي 22 ـ 23 أكتوبر، ثم ضربت عليها حصارا من كل الجهات، وقطعت خطوط الإمداد على الجيش الثالث الذي أصبح محاصرا من الخلف، وفي مواجهة القوات الإسرائيلية من الأمام. قد يكون هذا أهم سبب جعل دول عدم الانحياز تطلق مبادرة لإنقاذ مصر من الهزيمة، لذلك تقدمت بمشروع إلى مجلس الأمن أصدره تحت رقم 340، ينص على إنشاء قوة دولية لمراقبة وقف القتال وعودة القوات الإسرائيلية إلى حدود 22 أكتوبر، أي قبل عبورها قناة السويس إلى منطقة الدفرسوار. وفي 28 أكتوبر تم فعليا وقف القتال بين إسرائيل والعرب. يأتي قبول مصر لوقف القتال دون تردد أو شروط دلالة على أنها كانت تشعر بالهزيمة، ولذلك قبلت بالقرار الأممي ونفذته اعتبارا من اليوم نفسه، بينما استمر الجيش الإسرائيلي في تنفيذ عمليات قتالية ضد الجيوش العربية الداعمة للقوات المصرية، ما جعل مجلس الأمن يصدر قرارا آخر يلزم إسرائيل بوقف اطلاق النار، والدخول في مباحثات بين الجيشين للفصل بين القوات. ففي مفاوضات الكيلو 101 تم الاتفاق على فتح محادثات من أجل الوصول إلى تسوية دائمة في الشرق الأوسط، وفي محادثات أجريت يوم 11 نوفمبر 73 بين الأطراف المتقاتلة تم الاتفاق على وقف اطلاق النار، وفك الحصار عن مدينة السويس المحاصرة من قبل الجيش الإسرائيلي، وإيصال الامدادات اليومية إليها. وفي بنود التسوية تم الاتفاق بعد إيقاف الحرب استقدام قوات الطوارئ الدولية للفصل بين القوتين. ثم جاءت مرحلة فض الاشتباك الأولي في يناير 1974، والثانية في سبتمبر 1975. ضمن اتفاق ينص على إيقاف جميع العمليات العسكرية، وتحديد المواقع التي تنسحب إليها القوات الإسرائيلية على مساحة 30 كلم شرق القناة، وتخصيص ما يقارب 10كلم عرضا فاصلة بين القوتين مخصصة لمرابطة القوات الدولية. 
في الأول من سبتمبر 1975 تم التوقيع على اتفاق ثان يحدد مواقع كل طرف في صحراء سيناء، بالإضافة إلى الاقرار بأن النزاع في الشرق الأوسط يحل بالوسائل السلمية، ولا يحسم بالقوة العسكرية، وبعد هذه الاتفاقات جاءت في اعقابها زيارة أنور السادات إلى إسرائيل سنة 1977 لإنهاء الحرب بين البلدين بشكل نهائي.
 في 18 سبتمبر 1978 تم عقد مؤتمر كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل برعاية أمريكية، وفي 26 مارس 1979 وقع البلدان المصري والإسرائيلي معاهدة إقامة سلام دائم بين البلدين وانهاء حالة الحرب بينهما مع سحب إسرائيل لقواتها من سيناء إلى الحدود الدولية ضمن جدول زمني مرحلي، في عام 1982 استكمل الانسحاب الإسرائيلي من سيناء ما عدا مدينة طابا التي احتفظت بها إسرائيل، ثم أحيلت القضية على التحكيم الدولي، وفي 30 سبتمبر 1988 أعلنت هيئة التحكيم الدولية  في برلمان جنيف حكمها بأن طابا أرض مصرية. 

عبد الفتاح بن عمار .