بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 31 أكتوبر 2013

مَهَمَةُ الجيوش العربية



بعد هزيمة الجيوش العربية في حرب أكتوبر 73 تأكد أن العرب لن يفكروا أبدا مرة أخرى في محاربة إسرائيل، لأنه تبين من خطط الجيش المصري أنه كان هدفه من عبور القناة استعادة شريط عرضه 12 كلم، لجعله ورقة ضغط على إسرائيل من أجل وضعها أمام الأمر الواقع حتى تقبل بمفاوضات تنتهي بانسحابها من سيناء، لأن الجيش المصري لم يكن يملك الامكانات اللازمة لاستعادة سيناء بالكامل. وعندما بدأ بالحرب لم يقرأ أفكار عدوه ومكائده وحيله ويدرس جميع الاحتمالات المترتبة عن تداعيات الحرب، ويسد في وجهه جميع الثغرات التي يمكن أن يستغلها في كل المواقف والتطورات في أرض المعركة الواسعة. وقد بينت لنا نتائج الحروب التي خاضتها الجيوش العربية، أنها كانت جيوش كارتونية تستنزف أموال الأمة المنكوبة بحجة شراء الأسلحة التي تحمي الوطن، وهي في حقيقة الأمر جيوش متورمة لا تصلح لحماية وطن ولا لتأمين الشعب، فقد أصبحت تحمي الحاكم من شعبه والمفسدين من حوله، وقد بدا واضحا أنها لا تصلح لقتال الأعداء ولا للدفاع عن الأوطان، وخير مكان لها في الشوارع لقمع شعوبها.  
أدلة تثبت هزيمة الجيوش العربية في حرب أكتوبر 1973 ـ مفاوضات الكيلو 101 ـ الجزء الخامس 
المنطق يقول أن البادئ بالحرب إذا تحققت أهدافه فقد انتصر مهما كثرت تكاليف خسائره المادية والبشرية ونفقاتها، ويعتبر المهاجم عليه خاسرا في المعركة. وأما إذا لم تحقق الأهداف الرئيسة للمهاجم فهو خاسر. ولو لم يخسر ماديا وبشريا أو خسارة مساحة أرضية. والنتيجة في هذه الحال يكون الطرف المهاجم عليه مهما كانت خسائره كبيرة فهو المنتصر، لأنه أفشل تحقيق أهداف المهاجم. وهذا ما ينطبق على الحالتين المصرية والسورية. وفي هذا المعنى يقول الفرنسي اندري بوفر: "  النصر هو أن تحطم عدوك، أو أن تجعله في موقف يقبل بما تمليه عليه من شروط الاستسلام".
وبما أننا بصدد محاولة جلاء الحقيقة وكشف الغبار عن أهم الأحداث في حروب الشرق الأوسط، بما توافر لدينا من معلومات حول حقيقة الانتصار الوهمي، وجب على كل كاتب نزيه إجرى بحث في ثنايا أرشيف التاريخ لكشف الحقيقة وتبيانها بعدما أعتراها التشويش من الجانبين، وبما أن كل طرف في هذا يصر ويدعي أنه خرج منتصرا سياسيا وعسكريا. ومن حق جيلنا والأجيال القادمة معرفة حقيقة حرب أكتوبر وحروب أخرى. ولا نتقصى حقائقها إلا إذا جردنا عقولنا من العاطفة والميولات العرقية والانتماءات لأي كان نوعها.
إذن، ما نستنتجه من هذا البحث هو أن الجيوش العربية انهزمت عسكريا أمام الجيش الإسرائيلي على الجبهتين السورية والمصرية، وأصيبت بنكبة أخرى. ولا يعقل أن تعتبر مصر الهزيمة نصرا استراتيجيا بالرغم من أن صور الهزيمة واضحة ومؤكدة، ومن الاستهزأ بعقول المصريين أن تخصص ليوم 6 أكتوبر عيدا للنصر. أي نصر يتحدث عنه نظام ثبت أنه استعاد سيناء وفقا لشروط مذلة يبقى بموجبها عميلا لأمريكا وإسرائيل، وأن لا يمارس سيادة كاملة على سيناء؟!
إن النصر الحقيقي هو لو أن مصر تمكنت تحرير أرض سيناء بالكامل، لكن الذي حصل وجعل الناس يعتبرونه نصرا، هو تمكين الجيش المصري من اقتحام واختراق حائط برليف والتوغل بضعة كيلومترات خلف الجدار. في الحقيقة أن تقدير الخسائر المادية والبشرية التي لقيت الجيش المصري تؤكد من دون شك أن الجيوش العربية منيت بهزيمة كبيرة، ولكن الأنظمة العربية الشمولية تعتمد صيغ المبالغة والاعتماد على الدعاية الكاذبة في قضايا دقيقة ومصيرية، وذات الأنظمة الفاسدة تعالج خذلانها وخيباتها بمعسول الإعلام الزائف وأنماط الكلمات البراقة. إن الحديث عن نصر حققه العرب في حرب أكتوبر 73 لا يصح فيه شيئا. ومن باب المنطق فإن القائلين بانهزام إسرائيل في الحرب هو من باب المبالغات العربية المعهودة التي تعودت الكذب على شعوبها، خصوصا وأن مجلس الأمن كان ققد أصدر قرارا بوقف القتال وإسرائيل ما زلت محتفظة بأراضٍ جديدة.
في كل الحروب التي خاضتها الجيوش العربية ضد إسرائيل جرعتها هزائم عسكرية كبيرة، وكانت خسائرهم في الأرواح والأموال أكثر بكثير من خسائر إسرائيل وتخرج من كل حر أكثر استقواء على الجيوش العربية، وترفع من سقف شروطها للسلام أو التخلي عن منطقة من المناطق المحتلة، ومع كل هذه الهزائم النكبات يخرج علينا القادة الظلاميين والجنرالات المهزومين فرحين يحدثوننا بأنهم حققوا نصرا عظيما.
لنكن منطقيين وموضوعيين في أحكامنا على الأشياء، منذ متى انتصرت الجيوش العربية على إسرائيل بالمفهوم العسكري؟ ومنذ متى فقدت إسرائيل أرضا وأرواحا كثيرة، وتنازلت عن قرار أو عن شيء يهين كرامة الإسرائيلي؟ وفي أي حرب وصلت طائرات وصواريخ الجيوش العربية إلى قلب إسرائيل ودمرت بنية من بنياتها التحية؟ فأين النصر الذي حققته سوريا وأرض الجولان وزيادة ما زالت محتلة؟ وأي نصر حققته مصر وهي تتحدث عن حرب أكتوبر بفخر وابتهاج؟ وقد استرجعت سيناء وهي منزوعة السيادة وفقا لشروط مذلة. ومن تلك الشروط أنه يسمح بوجود فرقة مشاة عبارة عن شرطة مدنية ويمنع عليها إدخال أسلحة ثقيلة إلى سيناء. ومن الشروط التي فرضتها إسرائيل على مصر هي أن تتخلى عن دعمها للمنظمات التحررية كحماس وغيرها.
كم كنا سذجا عندما صدقنا بأن الجيوش العربية انتصرت في حرب أكتوبر 73، ولكن بمجرد ما بدأنا نقرأ واقع أحداث الحرب اكتشفنا أن الأنظمة لاستبدادبة دأبت منذ أن اغتصبت الحكم على تضليل شعوبها بالأكاذيب وتزييف الحقائق والوقائع. غير أن  قراءة الأحداث من ثنايا الواقع الميداني تؤكد من دون شك أن إسرائيل قد انتصرت على الجيوش العربية مجمعة في حرب 73. وأن هذه الجيوش التي تلتهم موازنات ضخمة من أموال شعوبها منيت بهزيمة مريرة، ولولا تدخل الدول الكبرى لإيقاف الحرب لتحولت إلى هزيمة لا مثيل لها في التاريخ، وأن الموقف السياسي في الأخير كان لصالح إسرائيل. فقد أعطت أوامر لجيشها بأن يتوقف عن احتلال دمشق وكان بإمكانه احتلالها، وأن لا يزحف غربا لاحتلال القاهرة، وذلك خوفا من تدخل الاتحاد السوفيتي الذي وجه انذارا مباشرا لاسرائيل بإرسال قواته إلى القاهرة إن استمرت في الهجوم والتوجه نحو القاهرة، أو محاولة دخول دمشق. وكان قد قرر تعويض الجيش المصري عن بعض خسائره من الدبابات ومنحها 250 دبابة من طراز تى 62 ، كما قدم رئيس يوغسلافيا (تيتو) مساعدة عسكرية تمثلت في لواء كامل من الدبابات ووضعه تحت تصرف الجيش المصري.
يقول موشي ديان في مذكراته: " أعطينا الأوامر لقواتنا أن تكون دمشق في مرمى مدفعيتنا ولكن لا نحتلها، ولم تسمح الولايات المتحدة الأمريكية أن يتم تحطيم الجيش الثالث أو أسر أفراده وإحكام حصاره وتركه يموت جوعا أو عطشا، لأن ذلك أيضا سيؤدي إلى تدخل السوفييت ". أخذا بالاعتبارات السابقة فإنه إذا تدخل السوفييت عسكريا فإن أمريكا هي الأخرى ستتدخل عسكريا لدعم إسرائيل دعما مباشرا مما يؤدي الموقف إلى نشوب حرب عالمية. وخوفا من الهزيمة العسكرية التي أصبحت مؤكدة، وحفاظا على ماء الوجه هرول السادات إلى اعلان وقف اطلاق النار، لأنه كان يعلم أن استمرار الحرب ليست في صالحه، وأن الإسرائيليين اكتسبوا وضعا سياسيا يجعلهم  في موقف قوة لفرض شروطهم بعد احتلال مناطق جديدة.     
لقد أنشئت بعد انتهاء الحرب لجنة تسمى " أجرانات " في إسرائيل هدفها الضغط على الحكومة لكشف نتائج الحرب، وحاجة العائلات لمعرفة مصير الأسرى والمفقودين وحتى جثامين القتلى، وبالتالي شكلت ضغطا على الحكومة الإسرائيلية، وكان بإمكان المصريين استغلال هذه النقطة في المباحثات بينهم وبين الإسرائيليين في فض الاشتباك وحصار الجيش الثالث الميداني، وهذا ما غفل عنه الجانب المصري أو تجنب طرحه عمدا. وبالرغم من أن الجيش الإسرائيلي قد استعاد قوته بعد أيام من المعارك وحقق نتائج مذهلة إلا أن الشعب الإسرائيلي خرج في مظاهرات مطالبا باستقالة الحكومة ومحاسبتها لأنه كان شعب لا تنطلي عليه الخدعة والتضليل، بينما خرجت الشعوب العربية كالعادة تطبل للفاشلين والمنهزمين في الحرب.
 بعد وقف اطلاق النار بين الطرف المصري والإسرائيلي جاءت مفاوضات الكيلو 101 بتاريخ 26 أكتوبر 73، فترأس الجانب المصري الفريق محمد عبد الغني الجمسي بصفته أصبح رئيسا لأركان الجيش خلفا للفريق سعد الدين الشاذلي الذي عزله السادات، ومثل المفاوض الإسرائيلي أهارون باريف و ديفيد إليعاذر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، فوقع الطرف الأول على إتفاقية تشمل ستة نقاط كلها خاصة بفك حصار الجيش الثالث الميداني،  ووقع الطرف الإسرائيلي اتفاقية فض الاشتباك، حيث دامت مباحثات الكيلو 101 سبعة عشر اجتماعا، عشرة منها كانت كلها خاصة بالاتفاق على فك الحصار على الجيش الثالث الذي أوشك أفرده على الموت جوعا وعطشا، وما هي السبل التي يمكن من خلالها توصيل الإمدادات الطبية والغذائية، دون أن ننسى أن فايد وأبو سلطان والسويس كلها وقعت تحت الاحتلال وأن الطرق الرابطة بينها وبين القاهرة انقطعت.
وأما السبع الاجتماعات الأخرى فكانت مخصصة لفض الاشتباك. وكانت إسرائيل تعلم أن أضعف نقطة لدى الجانب المصري هو حصار الجيش الثالث إذ يمكن أن تقبل بكل الشروط الإسرائيلية من أجل التعجيل بإخراجه من الحصار. ولذلك جاءت نتائج المفاوضات بشكل مهين للمصريين، فقبلوا الاتفاقية بوجه ذليل، وأن تنقل الامدادات إلى الجيش الثالث في شاحنات، ثم تسلم عند مدخل مدينة السويس للجيش الإسرائيلي، ومن ثم يقودها  إسرائيليون ويسلمونها إلى الجيش المصري المحاصر، بعدما ينهب أكثرها. ولا يصل منها إلا القليل. في المرحلة الثانية منها مرحلة السبعة اجتماعات الخاصة بفض الاشتباك بين القوات طرح الجانب الإسرائيلي بعض المبادئ العامة لتنفيذ فض الاشتباك. وكان الجانب الإسرائيلي يشعر بأنه في موقف قوي، ما جعله كل مرة يخلق متاعب جديدة للمفاوض المصري، لذا فإن مفاوضات فك الاشتباك عانت مصاعب كبيرة، وفي كل مرة يزعم الجانب الإسرائيلي أنه غير مفوض في الفصل في هذا الأمر أو ذاك، حتى أن المفاوضات كادت أن تفشل تماما، لولا زيارات كيسنجر المكوكية لكل من القاهرة وتل أبيب حيث تمكن من التقريب بين وجهات نظر الطرفين والتفاهم على نقاط الخلاف والتقريب بينها لإخراج المفاوضات إلى التطبيق. وانتهت الموفاوضات بموافقة  السادات مع كسينجر في مباحثات أسوان على تخفيض عدد القوات المصرية الموجودة في سيناء الذي يبلغ تعدادها حوالى 100 ألف إلى 7 آلاف رجل، وثلاثين دبابة فقط،  دون أن يستشير القيادة العسكرية التي بدت غير موافقة. كما أن السادات وافق على مطالب أمنية لصالح إسرائيل دون الرجوع إلى قائد الجيش.
قصارى ما يجب أن نتوقف عنده هو أن المصريين في الهجوم المباغت أو المرحلة الأولى حققوا بعض الأهداف المحدودة، واستعادوا 2% فقط من مساحة سيناء المحتلة، ولكن بعد أيام من المعارك استعادت إسرائيل المبادرة والسيطرة الميدانية، وتمكنت من احتلال أراضٍ جديدة داخل مصر في غاية الأهمية لأول مرة، مساحتها أكثر ما استرجعه الجيش المصري شرق القناة ، زيادة على حصار الجيش الثالث الذي يبلغ تعداده 45 ألف فرد، ولولا توقيف القتال لكان أفراده قد ماتوا جوعا وعطشا أو استسلموا للجيش الإسرائيلي فرادى وجماعات. وبالرغم من أن الجيش الإسرائيلي هزم الجيشين المصري والسوري في الأيام الأخيرة قبل وقف اطلاق النار إلا أن الشعب الإسرائيلي لم يكن راضيا على أداء حكومته في الحرب، وخرج في مظاهرات عارمة مطالبا باستقالة الحكومة ومحاسبتها طالما أنه يوجد لدى الجانب الآخر أسرى وجرحى إسرائيليون، لأنه شعب لا تحكمه العاطفة ولا ينساق وراء الأكاذيب، ولا ينطلي عليه الخداع، ويعرف كيف يقيم أداء حكامه وجنرالات جيشه. بينما انطلت خدعة الانتصار الاستراتيجي على الشعوب العربية وخرجت في مظاهرات تهلل وتصرخ بحناجر عالية تحيي الحكام المهزومين والجنرالات المتخاذلين. فإذا كان الجيش المصري قد استعاد بضع 
كيلومترات واعتبرها انتصارا استراتيجيا، فكيف نفسر، وأي ووصف نطلقه على العبور المعاكس الذي حققه الإسرائيليون بعد احتلالهم لأراضٍ مصرية جديدة غرب القناة؟ لا شك أنهم حققوا أهدافهم السياسية والعسكرية كاملة وضمنوا أمنهم الاستراتيجي من خلال تركيع الجيوش العربية في حربي 67 و73، وحافظوا على تفوقهم الكيفي على العرب. أهمها الشروط المذلة التي قبل بها النظام المصري. فهل استعادة شريط عرضه 12 كلم انتصار استراتيجيا؟
 عبد الفتاح بن عمار


الأربعاء، 30 أكتوبر 2013

هزيمة الجيوش العربية في حرب 73 ـ الثغرة ـ الجزء الرابع

بدأت معركة الدفرسوار بعد تطوير الهجوم المصري كما يقول القادة العسكريون المصريون، وسحب قوات الاحتياط التي كانت تحرس الجسور في هذه المنطقة من الجبهة الشرقية لقناة السويس، وتقوم بدور حماية مؤخرة الجيشين الثاني والثالث، ولكن حسب تصريحات القادة الإسرائيليين فإنهم كانوا على علم مسبقا  بخطة الهجوم المصري وتفاصيله والجدول الزمني لدى المخابرات الإسرائيلية، والعملية التكتيكية لسحب قوات الاحتياط من منطقة الدفرسوار، ولكن ما وقع كما يقول الإسرائيليون هو أن وزير الدفاع تقاعس في اتخاذ الإجراءات الفورية، وبالتالي فإن الإسرائيليين كانوا على علم بأن منطقة 
الدفرسوار ستكون خالية من قوات الاحتياط بعد التطوير، ولهذا السبب كانت معركة الإسرائيليين أشدة استماتة في المزرعة الصينية من أجل فتح الطريق والالتحام بقوات شارون الذي كان قد وصل بقواته إلى شاطئ القناة.
 أرجع الجنرال الجسمي قائد الأركان المصري اكتشاف الإسرائيليين للثغرة بواسطة طائرات استطلاع أمريكية كانت  خارج مدى رمي صواريخ الدفاع الجوي تراقب تحركات القوات المصرية بعد التطوير. وكان الإسرائيليون قد شيدوا جسرا متحركا طوله 180 مترا ووزنه 400 طن، قبل عام من بدء الحرب تحسبا لأي مواجهة محتملة، وقد جرته 12 دبابة عبر الصحراء، ولما أوصله المهندسون 
الإسرائيليون إلى شاطئ القناة، تم تعويمه ليلا بواسطة 50 دبابة عبر طوافات قابلة للنفخ، واستغرق تركيبه 3 أيام على بكرات معدنية، وسط هجمات الطيران المصري الذي فشل في تدميره. ورأت القيادة الإسرائيلية أنه لا يمكن الاعتماد على جسر واحد لعبورها قواتها، فشرع المهندسون الإسرائيليون في بناء جسرين آخرين لتمكين مرور قواتهم بأقصى سرعة، وتم إنشاء الجسرين في ظرف قصير.
قبل بناء الجسور وعبور قوات شارون المدرعة، كانت قوات المظليين الإسرائيليين قامت  بعملية إنزال جوي على شاطئ مياه القناة شرقا، ثم استخدمت قوارب مطاطية عبرت بها إلى الجهة 
الأخرى في يوم 15 أكتوبر 73، وحسب الخطة الإسرائيلية فإن هذا الانزال المظلي هدفه فتح الطريق ووتأمينه لوصول قوات شارون المدرعة ليلا، وإقامة الجسر لعبور قناة السويس إلى الضفة الأخرى. وفي يوم 16 أكتوبر حاولت القوات المصرية قطع الطريق أمام فرقة شارون المدرعة عندما وصلت إلى شاطئ القناة، ومنع وصول المعدات المخصصة لبناء الجسر إليه، وأصبحت شبه منقطعة عن القوات الخلفية. ولكن القوات الإسرائيلية الأخرى أدركت حجم الخطر الذي يهدد قوات شارون، فخاضت معارك شديدة من أجل الاتصال بالقوات الأمامية.
في هذه الأثناء حاول اللواء 25 مدرع من الجيش الثالث الميداني 
الموجود جنوبا الزحف نحو الشمال للاتصال بالفرقة 21 مدرعة التابعة للجيش الثاني الميداني الموجودة في الشمال، متجهة جنوبا للاتصال باللواء 25 مدرع وسد الثغرة وقطع الامداد عن قوات شارون ومنع القوات الإسرائيلية الخلفية من الاتصال بالقوات الأمامية التي وصلت مياه قناة السويس. وكان الفريق الشاذلي قائد الأركان المصرية قد عارض بشدة خطة تحرك اللواء 25 مدرع شمالا والفرقة 21 مدرعة جنوبا لأن هذه المنطقة كانت خارج نطاق نيران صواريخ الدفاع الجوي، وليس بإمكانها حماية تلك الوحدات من ضربات الطيران الإسرائيلي. إلا أن اللواء 25 مدرع تحرك شمالا. ويبدو أن الجيش الإسرائيلي كان يراقب تحركه فهاجمته 3 ألوية مدرعة إسرائيلية، فاسندت إلى لواء مدرع بمهاجمة اللواء المصري 25، ولواء آخر قام بتطويقه من الخلف وتم القضاء عليه نهائيا.
وكانت الخطة الإسرائيلية تهدف كذلك إلى تكليف لواء مدرع لايقاف تقدم الفرقة 21 مدرعة في الشمال الذي تعذر عليه سد الثغرة والصمود أمام الهجوم الإسرائيلي القوي مما سهل اتصال الفرق الخلفية بفرقة شارون والبدء في عملية عبور الفرق الثلاثة عبر الجسور.
كانت معركة المزرعة الصينية معركة حياة أو موت بالنسبة للإسرائيليين، وهي منطقة تقع بين الجيشين الثاني والثالث، تسيطر عليها مفرزة مصرية بقيادة المقدم أركان حرب محمد حسين طنطاوي الذي أصبح في عهد حسني مبارك وزيرا للدفاع، وكان لا بد من الاستيلاء عليها والقضاء على الكتيبة المصرية التي تسيطر عليها لأنها الجسر الذي يوصلها إلى القوات الأمامية، فقامت القوات الإسرائيلية بمهاجمة منطقة المزرعة بلواء مظلات بقيادة الجنرال (عوزي بائر) الذي خسر في المعركة ونجا هو ونائبه من الوقوع في الأسر، ثم تدخلت المدرعات الإسرائيلية لإخلاء الجرحى من ميدان المعركة. في هذه الأثناء قام الجنرال (برن) بالهجوم على ثلاثة محاور:
ـ المحور الأول في اتجاه الشمال للضغط على الجيش الثاني الميداني.
ـ المحور الثاني في اتجاه الجنوب للضغط على الجيش الثالث الميداني.
ـ المحور الثالث في اتجاه الغرب للهجوم على المزرعة الصينية التي كانت عقبة في وجه تقدم القوات الإسرائيلية نحو قناة السويس والاتصال بقوات آرييل شارون الموجودة على أطراف مياه القناة. حيث خاضت القوات الإسرائيلية معارك تصادمية بالمدرعات وقتال مباشر  مكنت في الأخير قوات الجنرال (برن) من فتح الطريق وإيصال معدات وجسور جاهزة للعبور إلى شارون يوم 17 أكتوبر ، وتمت عملية عبور المدرعات عبر نقطة الدفرسوار إلى الضفة الغربية من القناة.
يعترف وزير الدفاع الإسرائيلي أنهم تكبدوا خسائر كبيرة من أجل تحقيق هذا الهدف قائلا: " تكبدنا في معركة المزرعة الصينية خسائر فادحة، إلا أننا كنا مصممون على إتمام العملية حتى ولو تم إفناء القوات كلها ". ويصف معركة المزرعة في مذكراته " قصة حياتي " بأنها كانت شديدة الوطيس، وعندما اقتربت الدبابات ببعضها البعض كانت أشد. ثم توالى عبور المدرعات الإسرائيلية إلى الضفة الأخرى للقناة حتى وصل عدد الوحدات إلى ثلاثة فرق، وسارت على محورين:  
ـ المحور الأول:  اتجهت فرقة مدرعة يقودها شارون بمحاذاة القناة لتطويق مدينة الإسماعيلية شمالا واحتلالها. غير أنها اصطدمت بالفرقة المصرية 4 مدرعة التي تصدت للقوات الإسرائيلية وأوقفت تقدمها نحو الإسماعيلية. 
ـ المحور الثاني: اتجهت فرقة لتطويق مدينة السويس والوصول إلى مؤخرة الجيش الثالث الميداني وضرب حصار عليه وقطع الإمداد عنه.
حسب مذكرات الفريق عبد المنعم وائل ( الصراع العربي الإسرائيلي" أنه قال: " استدركنا ما كانت تهدف إليه الخطة الإسرائيلية، فقمنا بنقل الامدادات الإدارية كالطعام والشراب والذخيرة وكل ما يحتاجه الجيش إلى الضفة الغربية من القناة لتفويت الفرصة على القوات الإسرائيلية بعدم استطاعتها خنق الجيش الثالث مما كان له الأثر الإيجابي بعد حصاره. ولكن القوات الإسرائيلية نجحت في تدمير مؤخرة الجيش الثالث، واحكمت حصارها على مدينة السويس واحتلت ميناء الأدبية جنوب المدينة وقطعت الطريق المؤدي إلى القاهرة، وصارت بعيدة عنها بمسافة ساعتين (100) كلم، وأن القوات المصرية التي كانت أمام القوات الإسرائيلية ضعيفة ليس بمقدورها رد القوات الإسرائيلية والدفاع عن مدينة القاهرة، لو أراد شارون الزحف في اتجاهها.
ويعترف الفريق منعم بأن الجيش الإسرائيلي دخل مدينة السويس فعلا، وحاول أحد الجنود رفع العلم الإسرائيلي فوق مبنى المحافظة، إلا أن الأهالي أردوه قتيلا وتطردوا الجنود الإسرائيليين خارج المدينة يوم 24 أكتوبر، وهو اليوم الذي أصبح في ما بعد عيدا للمدينة. وعلى ضوء ذلك يقول موشي ديان في تصريح له: " لو استطعنا الاستيلاء على مدينة السويس، لكان لهذا أثره الكبير في مفاوضات وقف اطلاق النار ولكن هذا لم يحدث ".
 من أهم أسباب ترك ثغرة في منطقة الدفرسوار كما يقول الفريق الشاذلي نلخصها في النقاط التالية:
أولا: تدخل القيادة السياسية والتأثير في قرارات القيادة العسكرية، على عكس القيادة السياسية الإسرائيلية كما يقول موشي ديان وزير الدفاع أن وزير الدفاع لا يتخذ قرارا إلا بما يشير عليه رئيس الأركان وفقا لتقارير استخباراتية، وليس من شأن القيادة السياسية التدخل في قرارات الجيش كما أن الجيش لا يتدخل في شؤون القيادة السياسية.
ثانيا: لم يتلق قائد الأركان تقارير استخباراتية ميدانية تكشف حقيقة الموقف كما هو، حيث تلقى تقريرا من قبل قائد اللواء الذي وقع فيها الاختراق مفاده أن عدد الدبابات سبعة فقط، والحقيقة هي أنه كان يوجد لواء مدرع.
من أهم أخطاء القيادة الميدانية التي ساعدت في توسع القوات الإسرائيلية:
1/: اعطت قيادة الجيش اهتماما لحماية طريق الاسماعيلية القاهرة، ولم تعطِ الحماية نفسها للطريق الرابط بين السويس والقاهرة ما سهل للقوات الإسرائيلية التوجه جنوبا ومحاصرة مدينة السويس وتطويق الجيش الثالث.
 2/: تمكنت الفرقة الإسرائيلية بالاقتراب من قواعد صواريخ الدفاع الجوي وتدميرها وسهل للطيران الإسرائيلي بحماية قواته والوصول إلى ضرب قواعد مصرية.   
3/: لم يحصل وزير الحربية على معلومات دقيقة حول الموقف والثغرة، وعندما أتصل به الفريق عبد المنعم واصل يخبره بأن قواته تتعرض إلى قصف إسرائيلي شديد، أجابه وزير الحربية بأن هذا القصر يقوم به الطيران المصري وليس إسرائيلي؟!!  يقول موشي ديان: " أن قائد الجيش المصري سعد الدين الشاذلي لم يكن يدرك ما تنوي القوات الإسرائيلية عمله من العملية " الغزالة أو الثغرة "، وهذا ما مكن من حدوثها ". وهذا يؤكد أن القيادة العسكرية المصرية كانت تعاني من نقص في المعلومات حول الموقف الميداني تارة،  ومن عدم دقة المعلومات المرفوعة إليها تارة أخرى، ما يضع استفهامات كثيرة؟؟
عندما تم توقيف القتال الفعلي يوم 28/10/73 كانت القوات الإسرائيلية قد احتلت مساحة شاسعة من الأراضي المصرية بين الإسماعيلية ومدينة السويس وأصبحت على بعد 100 كلم فقط من القاهرة. وحوالى 45 ألف من  الجيش الثالث الميداني محاصرا من كل الجهات. وفي الوقت الذي توقف فيه القتال على الجبهة السورية كان الجيش الإسرائيلي على بعد 25 كلم من العاصمة دمشق.
عبد الفتاح بن عمار  ( الموضوع منقول عن كتابي: ( المسلمون من عهود الاحتلال واستبداد الحكام إلى ثورات الحرية والانعتاق).










السبت، 26 أكتوبر 2013

هزيمة الجيوش العربية في حرب أكتوبر 73 ـ حدود تغطية الدفاع الجوي للقوات المصرية المهاجمة (الجزءا الثالث)

من ناحية التخطيط والتحضير للمعركة والإمكانات والوسائل المخصصة لعبور القناة يمكن القول أنه بلغ مستوى عاليا، لو وضع في الحسبان استمرار الحرب لتحرير سيناء بالكامل، ولذلك فقد تبين من خلال الهجوم الذي اقتصر على العبور أن مهمة الجيش المصري كانت محدودة، حيث وضعت حسب قدرة ومدى تغطية عناصر الدفاع الجوي للجيوش المهاجمة أو المنطقة التي توجد على أرضها القوات المقاتلة، والخريطة تبين بوضوح أن الدفاع الجوي المصري كان لا يستطيع تغطية القوات التي تتجاوز 20 كلم. ومن أكبر الأخطاء التي ارتكبتها قيادة الأركان المصرية هو أنها تركت ثغرة كبيرة طولها من 17 إلى 20 كلم بعد تطوير الهجوم بين الجيشين الثاني والثالث التي استغلها الجيش الإسرائيلي بذكاء خارق ليتسلل من خلالها إلى خلف القوات المصرية والاستيلاء على مناطق جديدة.
عبد الفتاح بن عمار 

الجمعة، 25 أكتوبر 2013

هزيمة الجيوش العربية في حرب 1973 ـ تدخل مجلس الأمن في إيقاف الحرب (الجزء الثاني)


في ظل اشتداد المعارك على الجبهتين (السورية والمصرية)، أصدر في هذه الأثناء مجلس الأمن قرارا تحت رقم 338 يقضي بتوقيف القتال، وأي نشاط حربي جوي وبري وبحري فورا، والبدء بمفاوضات بين الأطراف المتحاربة. وكانت مصر مجبرة على قبول توقيف القتال بعدما عبرت القوات الإسرائيلية قناة السويس في منطقة الدفرسوار والاستيلاء على أراضٍ جديدة غرب القناة وجنوب الإسماعيلية وشمال وغرب مدينة السويس يومي 22 ـ 23 أكتوبر، ثم ضربت عليها حصارا من كل الجهات، وقطعت خطوط الإمداد على الجيش الثالث الذي أصبح محاصرا من الخلف، وفي مواجهة القوات الإسرائيلية من الأمام. قد يكون هذا أهم سبب جعل دول عدم الانحياز تطلق مبادرة لإنقاذ مصر من الهزيمة، لذلك تقدمت بمشروع إلى مجلس الأمن أصدره تحت رقم 340، ينص على إنشاء قوة دولية لمراقبة وقف القتال وعودة القوات الإسرائيلية إلى حدود 22 أكتوبر، أي قبل عبورها قناة السويس إلى منطقة الدفرسوار. وفي 28 أكتوبر تم فعليا وقف القتال بين إسرائيل والعرب. يأتي قبول مصر لوقف القتال دون تردد أو شروط دلالة على أنها كانت تشعر بالهزيمة، ولذلك قبلت بالقرار الأممي ونفذته اعتبارا من اليوم نفسه، بينما استمر الجيش الإسرائيلي في تنفيذ عمليات قتالية ضد الجيوش العربية الداعمة للقوات المصرية، ما جعل مجلس الأمن يصدر قرارا آخر يلزم إسرائيل بوقف اطلاق النار، والدخول في مباحثات بين الجيشين للفصل بين القوات. ففي مفاوضات الكيلو 101 تم الاتفاق على فتح محادثات من أجل الوصول إلى تسوية دائمة في الشرق الأوسط، وفي محادثات أجريت يوم 11 نوفمبر 73 بين الأطراف المتقاتلة تم الاتفاق على وقف اطلاق النار، وفك الحصار عن مدينة السويس المحاصرة من قبل الجيش الإسرائيلي، وإيصال الامدادات اليومية إليها. وفي بنود التسوية تم الاتفاق بعد إيقاف الحرب استقدام قوات الطوارئ الدولية للفصل بين القوتين. ثم جاءت مرحلة فض الاشتباك الأولي في يناير 1974، والثانية في سبتمبر 1975. ضمن اتفاق ينص على إيقاف جميع العمليات العسكرية، وتحديد المواقع التي تنسحب إليها القوات الإسرائيلية على مساحة 30 كلم شرق القناة، وتخصيص ما يقارب 10كلم عرضا فاصلة بين القوتين مخصصة لمرابطة القوات الدولية. 
في الأول من سبتمبر 1975 تم التوقيع على اتفاق ثان يحدد مواقع كل طرف في صحراء سيناء، بالإضافة إلى الاقرار بأن النزاع في الشرق الأوسط يحل بالوسائل السلمية، ولا يحسم بالقوة العسكرية، وبعد هذه الاتفاقات جاءت في اعقابها زيارة أنور السادات إلى إسرائيل سنة 1977 لإنهاء الحرب بين البلدين بشكل نهائي.
 في 18 سبتمبر 1978 تم عقد مؤتمر كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل برعاية أمريكية، وفي 26 مارس 1979 وقع البلدان المصري والإسرائيلي معاهدة إقامة سلام دائم بين البلدين وانهاء حالة الحرب بينهما مع سحب إسرائيل لقواتها من سيناء إلى الحدود الدولية ضمن جدول زمني مرحلي، في عام 1982 استكمل الانسحاب الإسرائيلي من سيناء ما عدا مدينة طابا التي احتفظت بها إسرائيل، ثم أحيلت القضية على التحكيم الدولي، وفي 30 سبتمبر 1988 أعلنت هيئة التحكيم الدولية  في برلمان جنيف حكمها بأن طابا أرض مصرية. 

عبد الفتاح بن عمار .   

الخميس، 24 أكتوبر 2013

هزيمة الجيوش العربية في حرب 1973 ـ تنفيذ خطة الهجوم والعبور ( الجزء الأول )


تنفيذ خطة الهجوم والعيور


في الثانية بعد الظهر من السادس أكتوبر  1973، الذي صادف يوم عيد الغفران " كيبور " وهو من أعياد إسرائيل المقدسة. قامت كل من مصر وسوريا بهجوم مباغت على القوات الإسرائيلية، بعد تحضير للحرب دام سنوات، درست فيه قيادات الأركان فكرة العملية الهجومية وفقا لعدة مخططات، واجراء تدريبات تحاكي المناطق التي يتم الهجوم عليها، فمن حيث ميدان المعركة درست القيادة العسكرية المواصفات الفنية لقناة السويس، والمد والجزر، وسرعة التيار المائي واتجاهه، وأي الشهور المناسبة لاقتحام قناة السويس، فضلا عن دراسة جميع أيام العطلات اليهودية الرسمية، ما عدا يوم السبت الذي يعد يوم إجازة أسبوعية لكل اليهود، حيث تكون فيه القوات
 اليهودية أقل حذرا واستعدادا للحرب. كما تم دراسة مستوى اجراءات التعبئة، وتبين أن إسرائيل تمتلك وسائل علنية بواسطة القنوات الإذاعية، وأخرى غير علنية لاستدعاء الاحتياط للالتحاق بمراكزهم على جناح السرعة. وتمت الموافقة على اختيار يوم عيد الغفران (كيبور) للهجوم حيث تتوقف فيه الإذاعة والتليفزيون عن البث. أي بمعنى أن الوسائل السريعة لاستدعاء جيش الاحتياط تكون معطلة. وأما الوسائل الأخرى يمكن أن تتطلب وقتا أطول. فحددت قيادة الأركان المصرية الساعة الثانية بعد الظهر من يوم 6 أكتوبر 1973 للهجوم. وكانت إسرائيل قد عقدت صفقات شراء أسلحة نوعية مع الولايات المتحدة تصلها عام 74 لتسليح جيشها، فأخذت مصر وسوريا بعين الاعتبار هذا النوع من الأسلحة الذي اعتبرته الدولتان العربيتان أن سوف يغير من موازين القوة، ويرجح الكفة لصالح إسرائيل فعجلوا بإعداد خطة الهجوم.
في التاريخ المحدد قامت أكثر من 200 طائرة مصرية من نوع ميغ 21 وميغ 17 وسوخي 7  بتنفيذ ضربة جوية مباغتة ضد المواقع العسكرية ومراكز القيادة والسيطرة الإسرائيلية، ومواقع الرادارات والتشويش الإلكتروني ومهابط الطائرات، وبطاريات المدفعية ومراكز التوجيه والإنذار المبكر، تزامنا مع هجوم مماثل على الجبهة السورية الذي أدى إلى تدمير العديد من القواعد الإسرائيلية الهامة حيث أربك قواتها. وبعد قصف مدفعي كثيف على طول القناة بدأت فرق المشاة باقتحام قناة السويس مستخدمة نحو 1000 قارب مطاطي و1500 سلم لتسلق خط بارليف وإحداث ممرات لعبور المشاة. ما سهل مرور 8 آلاف جندي، وبعد ثمانية ساعات من القتال استطاع المصريون فتح 60 ممرا في الحائط الرملي على طول القناة، وفي هذه الأثناء قامت الفرقة 18 التابعة للجيش الثاني بعبور القناة وتحرير مدينة القنطرة. وتمكنت في الجنوب الفرقة 19 التابعة للجيش الثالث من استعادة موقع (عيون موسى). 

السبت، 19 أكتوبر 2013

كان أبو حامد الغزالي في زمنه مثل علي جمعة اليوم من زعماء الحلول ووحدة الوجود.



يقول المستشرق المسيحي نيكلسون: " إن الإسلام يفقد كل معناه، ويصبح اسما على غير مسمى، لو أن عقيدة التوحيد المعبَّر عنها بـ (( لا إله إلا الله)) أصبح المراد بها: لا موجود على الحقيقة إلا الله. وواضح أن الاعتراف بوحدة الوجود في صورتها المجردة قضاء تام على كل معالم الدين المنزل، ومَحْوٌ لهذه المعالم محواً كاملا ". هذه الحقيقة يقررها مسيحي مستشرق يتهم بها كهنة الصوفية الذين يزعمون أنهم أولياء الله وأئمة هذا الدين، فالمقام الرابع الذي تحدث عنه الغزالي في كتابه الاحياء لا يعدو أن يكون مقام القائلين: (( لا موجود إلا الله))، حيث زعموا أن عروجهم إلى سماء الحقيقة لم يظهر لهم في الوجود إلا الواحد الحق، ومنهم من زعم أنه وصل إلى هذه الحقيقة من طريق الكشف والإلهام والسكر...، حيث انتفت عنهم الكثرة بالكلية، واستغرقوا بالفَرْدانية المحضة، ولم يبق عندهم إلا الله، ولذلك لما سكر بعضهم سكرا، وقع دونه سلطان عقولهم، فقال منهم: أنا الحق، أو سبحاني ما أعظم شأني... هذه الادعاءات يسميها الغزالي بحالات العشق ويعتبرها من أسمى مراتب التوحيد، يقول الغزالي: " كلام العشاق يطوى ولا يحكى وحكم في بعض أقواله أنه من اسمى مراتب التوحيد".

رد ابن الجوزي على من يستخدمون كلمة عشق بدلا من كلمة محبة قائلا: وهذا جهل من ثلاثة أوجه: أحدهما: من حيث الاسم فإن العشق عند أهل اللغة لا يكون إلا لما ينكح، والثاني: أن صفات الله عز وجل منقولة، فهو يحب، ولا يقال يعشقُ، كما يقال: يعلم، ولا يقال: يعرف، والثالث: من أين له أن الله تعالى يحبه، فهذه دعوى بلا دليل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من قال إني في الجنة فهو في النار".

يقول الغزالي: " الكل من نوره، بل هو لا هُوِية لغيره إلا بالمجاز، فإذن لا نور إلا هو، وسائر الأنوار أنوار من الوجه الذي تليه، لا من ذاتها، فَوَجْهُ كلِ مُوَجَّه إليه ومُوَلٍ شطره، فإذن لا إله إلا هو، فإن الإله عبارة عما الوجوه مولية نحوه بالعبادة، والتأليه، أعني وجوه القلوب، فإنها الأنوار والأرواح، بل كما لا إله إلا هو، فلا هو إلا هو، فإن هو: عبارة عما إليه الإشارة، وكيفما كان، فلا إشارة إلا إليه، بل كلما أشرت، فهو بالحقيقة الإشارة إليه ".

لا شك أن الغزالي كان ضالا وضلل الصوفية من بعده بافتراءاته على المسلمين كون كل شيء في الوجود هو عين هوية الله، ولا يمكن أن تقع إشارة في الكون إلا عليه، فإن وجهت وجهك إلى عبادة صنم أو طوطم أو غيره من عناصر الطبيعة... فإن عبادتك تكون واقعة على رب الغزالي، لأن ماهية الصنم هي من عين ماهيته، وتلك هي العبادة الوثنية التي ابتدعها الغزالي للمسلمين وآمن بها الصوفية، بل قد وصى بها في كتبه معتبرا أن (( لا إله إلا الله) توحيد عوام الناس، وأما توحيد الغزالي ومعه الخواص (( لا هو إلا هو)) والإشارة هنا إلى كل شيء من جماد ونبات وحيوان وإنسان، فتوحيد إله الغزالي والخواص الذي تمثل في كل شيء (( لا هو إلا هو))، وهو عندهم توحيد الفردانية المحضة والوحدانية الصرفة، ومنتهى معراج الخواص مملكة الفردانية... يواصل الغزالي حديثه عن الرب الذي ابتدعه بقوله: " له نزول إلى سماء الدنيا وأن ذلك هو نزوله إلى استعمال الحواس، وتحريك الأعضاء، وإليه الإشارة بقوله عليه الصلاة والسلام: ( صرت سمعه... ) ".

وبما أنه يعتقد أن الله حال حلولا في جميع الموجودات وعينها فهو من يسمع بسمع الإنسان ويبصر ببصره وينطق بلسانه، بل الإسنان عبارة عن أداة يستخدمها الله كما يستخدم أي شيء آخر، وهذا الاعتقاد يكشف عن مدى إيمان الغزالي بوحدة الوجود وحلول الله في جميع عناصر المادة، بعدما قرر أن كل سامع وباصر وناطق هو الله. عبد الفتاح بن عمار

الخميس، 17 أكتوبر 2013

الانقلاب في مصر يتراجع



كتبت صحيفة الجارديان البريطانية أن الإنقلاب في مصر يتراجع بقوة، وأن الدول الخليجية الداعمة له قد أخطأت التقدير، إذ كانت تأمل أن يفرض الجيش سيطرته في غضون أسابيع قليلة، ولكنه أصبح يواجه هزات ارتدادية، وأنه بعد ثلاث أشهر لم يحدث استقرار على الساحة المصرية، فالاحتجاجات والمسيرات الرافضة للانقلاب والمطالبة بعودة الشرعية مستمرة يومياً، لا تتوقف رغم القمع المستمر لها.

وتقول الجارديان: أن التدابير الأمنية والعسكرية التي يفرضها الانقلاب العسكري في سيناء والعديد من المدن والمحافظات والقرى المعارضة للانقلاب تقود البلاد إلى حالة من الشلل الاقتصادي التام . وأن الانقلاب العسكري على الدكتور محمد مرسي أول رئيس مدني منتخب وما تبعه من أحداث طيلة الثلاثة أشهر الماضية كان بمثابة "الزلزال الاستراتيجي" أسفر عن زعزعة استقرار الشرق الأوسط وإعادة تشكيل التكتلات والتحالفات الدولية.

الجمعة، 11 أكتوبر 2013

أمناء الجامعة العربية دورهم التآمر على القضايا العربية

أمناء الجامعة العربية دورهم التآمر على القضايا العربية
من رؤساء جامعة الدول العربية الذين كانوا عملاء لإسرائيل، وخذلوا الفلسطينيين، عمرو موسى، وهو رجل يتميز بالغموض والتلون. فقد ألتقى بوزيرة الخارجية الإسرائيلية ( تسيبي ليفني) قبل العدوان على غزة بأسبوعين. وفي هذا الصدد كشف الكاتب الصحفي عبد الباري عطوان في حوار على قناة الحوار، عن تقارير استخباراتية تناولها موقع (والا) الإسرائيلي عن لقاء سري جمع بين عمرو موسى وليفني في رام الله بتاريخ 04/11/2012، يقول التقرير: " أن (ليفنى ) طالبت عمرو موسى بشكل مباشر بإرباك الرئيس المصري محمد مرسى في هذه الفترة بالمشاكل الداخلية، وهو ما حدث بالفعل؛ حيث عاد عمرو موسى من زيارته ليقود الانسحابات من الجمعية التأسيسية للدستور بدون أسباب مقنعة للرأي العام، لدرجة أنه اصطنع مشادة مع رئيس الجمعية التأسيسية المستشار الغريانى شيخ قضاة مصر، واعترض على مواد بالدستور كان هو نفسه من اقترحها، وشغل الرأي العام وبرامج التوك شو بانسحابات التأسيسية، وصعد من هجومه على الرئيس مرسى مع تصاعد الهجوم على غزة ".

ويضيف عبد الباري عطوان: " وكان الأجدر بالأمين العام السابق لجامعة الدول العربية أن يكون له دور في وقف العدوان على غزة لا أن يستعمل كأداة للتغطية على ضرب غزة وإرباك الرئيس المصري لشل حركته وشغله بقضية مصطنعة. هذه التقارير تتفق مع ما قاله "بنحاس عنبارى" الخبير الصهيوني في شؤون الشرق الأوسط في مقابلة مع (روسيا اليوم ) أن الرئيس المصري محمد مرسى أفشل العملية الصهيونية في غزة قبل أن تبدأ وكنّا نعوّل على قوى داخلية في مصر بإشغاله بالشأن الداخلي السياسي والاقتصادي ". ولكن ما لم يقله التقرير، هو أن الوزيرة الإسرائيلية لم تجتمع بعمرو موسى لإرباك مرسي فحسب، إنما كان هدف الاجتماع حول إعداد خطة التنسيق والترتيب للإطاحة به.
عبد الفتاح بن عمار 

الاثنين، 7 أكتوبر 2013

صورة اللعبة السياسية في الجزائر




هكذا أصبحت اللعبة السياسية في بلادنا محصورة مقصورة على جهتين. إما باتنة أو تلمسان؟!!

من أجل مصلحة إسرائيل أنشئت الجامعة العربية ( الوجه الأسود لجامعة الدول العربية)

من أجل مصلحة إسرائيل أنشئت الجامعة العربية

الوجه الأسود لجامعة الدول العربية
تأسست جامعة الدول العربية في عام 1945، من سبعة دول شرق أوسطية هي: السعودية، مصر، سوريا، العراق، الأردن، لبنان، اليمن. وكانت بريطانيا هي صاحبة فكرة تأسيس جامعة للدول العربية، وطالبت من الملك فاروق، وحزب الوفد باحتضانها، وأوصى الرئيس الأمريكي روزفلت الملك السعودي ابن سعود باعتمادها، وهناك من يقول أن الفكرة كانت من إيحاء مجلس العلاقات الخارجية، وهي مؤسسة ماسونية عالمية رفيعة المستوى، كان وزير الخارجية البريطاني ( انتوني ايدن) عضوا فيها. وهو من بين الذين لعبوا دورا في إنشاء جامعة الدول العربية، باعتبارها المفصل الذي من خلاله تستطيع الماسونية اليهودية التحكم في قرارات العرب. ولما تم إنشاؤها كان ضابطا من الاستخبارات البريطانية (كلايتون ) يحضر اجتماعاتها بشكل دائم.

كما ذكرنا يعتبر وزير خارجية بريطانيا (انتوني ايدين) هو صاحب فكرة انشاء جامعة للدول العربية على أساس قومي، وهو مدبرها لأول مرة. فقد جاءت الفكرة بعد سنوات من نشر الفكر القومي في ربوع البلدان العربية، من أجل أن لا تقوم للمسلمين قائمة مرة أخرى بعد اسقاط الدولة العثمانية، ولما نضجت الفكرة سياسيا، اتبعوها بإنشاء جامعة للعرب على هذا الأساس. وفي 29/5/1941 صدر بيان عن وزير الخارجية البريطاني معلنا تأييده لقيام الجامعة وتقديم الدعم لأعضائها قائلا: " إن حكومة صاحب الجلالة من ناحيتها ستؤيد كل التأييد أية خطة تلقى من العرب موافقة عامة ". وكان الهدف من الدعم البريطاني هو تمزيق الوحدة الإسلامية، بشعارات وأفكار قومية، مما يساعد في الابتعاد عن الشعارات الإسلامية. وبدعم بريطاني بدأت الشرارة القومية بالثورة التي أطلقها عميل بريطانيا (شريف مكة) الحسين بن علي ضد الدولة العثمانية. ويؤكد هذا القول الضابط البريطاني (لورنس) الذي يعتبر القائد الحقيقي لقيام الثورة في الحجاز، يقول في تصريح له: " لقد كنت أؤمن بالحركة العربية إيمانا عميقا، وكنت واثقا قبل أن أحضر إلى الحجاز أنها هي الفكرة التي ستمزق تركيا شذر مذر".    
إن بث فكرة القومية في الدول العربية كانت صناعة بريطانية من أجل بناء سياسة جديدة للشعوب الناطقة بالعربية، حيث نتجت من دون شك بعد تثبيتها في التفريق بين المسلمين، ولذلك سارعت الدول الأوروبية فور قبولها واحتضانها من  قبل بعض دول الشرق الأوسط إلى دعم الدول. ولولا بريطانيا والدول الأوروبية ما عرف المسلمون شيئا أسمه القومية، فبعد أن أصبحت عقيدة مزقت الدول الإسلامية، وأصبحت شعارات فتنة وتحريض على الدولة العثمانية. وكانت بريطانيا تعلم ما مدى قوة هذه العقيدة إذا ترسخت في نفوس المسلمين، واعتناقها ليس من شأنه خلق الاستقرار والتفاهم بين شعوب المنطقة بقدر ما يؤدي إلى التطاحن والكراهية. كونها غريزة تتعلق بحب البقاء، حيث تنموا بشكل كبير في المجتمعات المتخلفة والقبلية، ولا تساعد أبدا في إيجاد ارتقاء فكري وثقافي، وتضيق من مساحة الحرية الفردية والجماعية، ولا تقبل بفكرة الرأي الآخر. لأنها كما يقولون: رابطة بدائية من التخلف، تخلق الاستبداد، ولا دور فيها لعمل العقل، ولا تحمل في ثناياها أنظمة فكرية تطورية، ونتائج تبني هذا الفكر الغريب يبينه حال العرب اليوم، إذ أدى إلى تفكيك منظومة المجتمعات وبث الخلافات والطائفية والعرقية.
فبريطانيا كانت تعلم أن الإسلام يحكم على الرابطة القومية بالحرمة، نظرا لتصادم أفكارها بالدين الإسلامي، وإذا بقي يعمل بشعاراته، وعقيدته، فإنه سيعيد تشكيل وحدة المسلمين من جديد، ولا مناص من إيجاد في ثنايا العقائد، عقيدة تمزق عقيدة المسلمين، فوجدوا أن القومية هي فكر يفرق،  ولا يجمع، ويهدم وحدة المسلمين، ويقضي على آمالهم بالوحدة، ولذلك أقاموا للعرب هيئة على فكر قومي.    

كان أول شخصية اختيرت لرئاسة الجامعة العربية بعد تأسيسها ( عبد الرحمن عزام)، من حزب الوفد الذي كان مؤسسه (سعد زغلول) ماسونيا، ومعظم أعضائه ينتمون إلى الحركة الماسونية. وكانت الجامعة العربية تعتبره حزبا تستلهم منه أفكارها وسياستها وعقيدتها القومية. ومن بين المؤسسات والشخصيات التي ارتبطت بالماسونية في مصر، هذا الحزب الذي كان يتلقى دعما بريطانيا، وساعدته بالبقاء في الحكم، وقد اعترف صاحب هذا الحزب شخصيا أنه ينتمي إلى الحركة الماسونية. ومن بين الشخصيات الكبيرة في مصر التي كانت تنتمي إلى الماسونية: محمد فريد، عبد العزيز فهمي، فؤاد سراج الدين، علي الشمسي، أحمد لطفي السيد، علي الشعراوي، محمد علي علوية، وهذا الأخير كان رئيس جماعة التقريب بين المذاهب.

من الأسباب التي دفعت الغرب إلى حث العرب على تأسيس جامعة عربية قضية فلسطين، لأنهم وجدوا صعوبة في الاجتماع بكل قائد عربي على انفراد والتقريب بين توجهاتهم السياسية، فكان لا بد من إنشاء هيئة تجمعهم صوريا، وتوحدهم ظاهريا، ويصبح من السهولة بمكان السيطرة على أعضائها وكل قرار يصدر عنها، وترتيب أمورها حسب ما يريد الغرب واليهود، وإفشال كل خطة من يفكر بوحدة عربية حقيقية. وكذلك كان من ضمن أهداف الغرب من تأسيس الجامعة العربية إجبار القادة العرب على القبول وتكريس معاهدتي (سايكس بيكو) و (سان ريمو)، وهي معاهدتان دمرت بهما وحدة البلدان العربية. 

وكان عبد الرحمن عزام الماسوني يرأس الجمعية المصرية (أبو الهول) قبل اختياره أول رئيس للجامعة. وكان أطلقت اشاعات كونه ذهب إلى بريطانيا لدراسة الطب، غير أنه ذهب لتلقي دروس العمالة لصالح بريطانيا واليهود، ولم يلبث وقتا طويلا حتى إلى مصر لتنفيذ الخطط السرية التي ذهب من أجلها إلى بريطانيا، ومن ثم أصبح المتآمر الأول على القضية الفلسطينية، ولذلك مدحته المخابرات الأمريكية على دوره السلبي تجاه حرب 1948.

ونظرا للدور الذي كان يقوم به عبد الرحمن عزام لصالح اليهود اجتمع في 16/9/1947 سرا في لندن بــ (ديفيد هورتز، وابا ايبان) من ممثلي الوكالة اليهودية. ويعتقد أن الاجتماع دار حول انشاء دولة يهودية في فلسطين وأفضى إلى تسهيل الجامعة العربية لهذا الأمر. وقبل بداية الحرب شكلت جامعة الدول العربية جيشا اطلقت عليه اسم ( جيش الانقاذ) ليخدعوا به الفلسطينيين، وقد تبين بعد تأسيسه أنه أنشئ لإنقاذ إسرائيل، لأنه لو لم يكن لصالح إسرائيل لما سمحت سلطة الانتداب البريطاني وقتها بتسليحه، والسماح له بالدخول إلى الأراضي الفلسطينية، فقد كانت بريطانيا لا تسمح للفلسطينيين باستخدام السكاكين، فكيف سمحت بتسليح هذا الجيش لو لم يكن يخدم المصالح اليهودية؟!!

وأول عمل قام به هذا الجيش هو سحب الأسلحة من الفلسطينيين حتى يتمكن اليهود من اكتساح مزيد من الأراضي، قامت الجامعة بحل منظمتهم العسكرية. ومن أهم الأهداف التي شكل من أجلها جيش الانقاذ مواجهة الأمير عبد الله، في حالة ما إذا أراد تطبيق مشروعه الرامي إلى تأسيس سوريا الكبرى بضم النصف العربي من أرض فلسطين، ويبقى النصف الآخر لليهود. وكانت خطط الجامعة العربية تهدف إلى جعل دور جيش الانقاذ صوريا، ومتآمرا على الفلسطينيين. وفي هذا الصدد قال جميل مردم رئيس وزراء سوريا، ورئيس لجنة فلسطين في الجامعة: " اذا فشل جيش الانقاذ، فان مسؤولية الفشل ستقع على الفلسطينيين وليس على الأنظمة العربية وجيوشها ".

وقال مردم: " كل ما يجب أن يفعله جيش الإنقاذ، هو احتفاظه ببعض المناطق الشمالية فقط". وكانت الجامعة العربية ومعها بعض قادة الدول العربية منعوا تزويده بالأسلحة الكافية، وأعدوا خطة للقضاء عليه، وقالوا لشعوبهم المطالبة بفتح باب التطوع لقتال اليهود: إن باب التطوع مفتوح لمن أراد أن يلتحق بهذا الجيش، وهم ينوون من وراء ذلك القضاء على المتطوعين وأفراد جيش الانقاذ نفسه، رغم أن قادته كانوا يعملون للمصلحة الصهيونية، حتى أنهم أرسلوا إلى ميدان القتال متطوعين بدون أسلحة، مما سهل لليهود أن يبيدوا فرقا كاملة منهم ومن أفراد جيش الانقاذ بعدما نفذت ذخيرة الأسلحة. كما اختير أفراد هذا الجيش بعناية من الأقليات الدينية والطائفية ممن لا يملكون حماسا قتاليا وإرادة الدفاع عن فلسطين، ولهم قابلية الاستسلام.

يقول عادل ارسلان: " إن أكثر أفراد جيش الانقاذ كانوا من الدروز والشركس والإسماعيليين ". وأن الذي سلم القدس للصهاينة كان كرديا وقائدا للجيش الإنقاذ يسمى (فوزي القاوقجي)، وهو متزوج بألمانية، وعندما كان في ألمانيا دارت حوله الشبهات فسجنته الحكومة الألمانية وزوجته لمدة شهر، ومنحه الأمير عبد الله بن الحسين درجة الباشوية. وقد وقعت حوادث مؤلمة من قبل جيش الانقاذ ضد الفلسطينيين، وكان قادته يلصقون بالشعب الفلسطيني والمقاتلين العرب تهمة الخيانة والتجسس لإيجاد مبرر نزع الثقة منه. وفي 1-4-1948 اجتمع القاوقجي سرا بـ (جوش بالمون) أول رئيس لجهاز الموساد داخل فلسطين المحتلة، بهدف  التخطيط لعمليات ضد الفلسطينيين. وكان يتعاون مع اليهود ضد الفلسطينيين، ويعلن عبر بيانات كاذبة عن انتصارات وهمية ضد اليهود. ومنها أنه أعلن دخول جشيه مدينة يافا وضرب تل أبيب وأوقع فيها خسائر بشارية، وهو ما لم يحصل على الإطلاق. هذا اللقاء تم بينه وبين رئيس جهاز الموساد قبل ثلاثة أيام من عملية (نهشون) التي دامت من 4 ـ 15/4/1948، ثم تآمر بعدها على الفلسطينيين بنزع أسلحتهم، وقتل بعض قادة الجهاد، وأدت المؤامرة بين القاوقجي والصهاينة إلى مذبحة دين ياسين، وتسليمه القدس.

وكانت توجد في الرملة قواعد لجيش الشيخ حسن سلامة، وكتيبة تابعة لجيش الانقاذ، ولما بدأ الصهاينة  بضرب قواعد جيش الشيخ حسن سلامة التابعة للجهاد المقدس، تلقت كتيبة جيش الانقاذ تعليمات من القاوقجي بعدم التدخل في المعركة. وعندما حاول (عبد القادر الحسيني) الحصول على أسلحة لدعم المجاهدين في فلسطين، حاولت السلطات المصرية مصادرتها ومنعه من إدخالها إلى فلسطين. وعندما حاول في لبنان شراء أسلحة للمجاهدين من مكتب بيروت تدخل رجال الجامعة العربية لدى المكتب لمنعه من الحصول على الأسلحة. واستخدمت الجامعة العربية كل امكاناتها لمنع وصول الأسلحة إلى الفلسطينيين. ومنها أن بعض الخيرين تبرعوا بثمن صفقة أسلحة لصالح الشعب الفلسطيني، فقامت الجامعة العربية بشرائها عبر سوريا ثم سلمتها للصهاينة في ظروف غامضة.    

وقد عينت الجامعة العربية جنرالا عراقيا يسمى (اسماعيل صفوت) قائدا لجيش الانقاذ، وكان يقول للفلسطينيين الذين طلبوا منه المساعدة: " دعوا يافا وحيفا وعكا وصفد والقدس والناصرة تسقط، لأن ليس لها أهمية استراتيجية، ونستطيع استعادتها متى شئنا ". ثم أن هذه المدن سقطت أمام أعين هذا الجيش العميل لليهود دون مقاومة، ولم تكن لهم نية استردادها.

وبعد أن رفض القاوقجي مساعدة عبد القادر الحسيني سافر هذا الأخير إلى دمشق في 3-4-1948، من أجل الحصول على أسلحة لمقاتليه، من مندوبي جيش الانقاذ، لتحرير القدس وغيرها من المدن المحتلة. وبعد أن شرح خطته لقادة جيش الانقاذ التابع للجامعة العربية لاستعادة الأرض، قال لهم: " إنني أهدف إلى القضاء على القوات اليهودية في منطقة القدس، والاستيلاء على المدينة الجديدة، وتطهيرها، وبعد ذلك أتحول بقوات المجاهدين الى يافا وحيفا للدفاع عنهما وانقاذهما، ولكن يجب أن نعمل الآن، وقبل انتهاء الانتداب البريطاني في 15 أيار 1948 م، وإني أطلب سلاحا وعتادا، وقد رأيت مخازن اللجنة العسكرية المليئة بالعتاد والأسلحة، فإذا اعطيتم اليوم ما أطلبه من السلاح والعتاد، فإنني قادر على تحقيق أهدافي.. إنني واثق من نفسي ومن إخواني المجاهدين، إن الموقف لا يزال حتى هذه الساعة في أيدينا، فلا تدعوه يفلت منا، فإذا قدمتم ما أطلبه وهو في استطاعتكم كسبنا المعركة، وليتفضل القائد العام اسماعيل صفوت باشا لجيش الإنقاذ ليقود المعركة بنفسه، فيرى من المجاهدين ما يثلج الصدور.. وإذا فشلت في مهمتي فإن دمي محلل لكم، ولكم أن تشنقوني أو تقتلوني رميا بالرصاص في أوسع ميادين الشام ".

وبما أن هؤلاء كانوا عملاء لليهود جعلوا يسخرون منه، ولما رأى منهم هذا التصرف المشين استشاط غضبا وقال لهم: " إنكم تخونون فلسطين، وتريدون قتلنا وذبحنا ". وقال له طه الهاشمي، المفتش العام للجيش ومسئول التدريب: " لماذا كل هذا الاهتمام بالقدس يا عبد القادر؟ إنها لا تستحقه ! ولو كانت القدس ميناء على البحر، لاستحقت الاهتمام، وقمنا بمساعدتك ".!! لما سمع عبد القادر الحسيني هذا الكلام من مفتش الجيش انعقد لسانه، ولم يصدق ما سمعه. وقبل أن يستفيق من ذهوله وهول ما سمع، فإذا بأحد قادة جيش الانقاذ يقول: " يا عبد القادر يظهر أنكم تخافون من اليهود، ولذلك فإنكم تقدرون قواتهم أكثر من اللازم، ونحن نعرف الحقائق أكثر منكم، ولدينا من القوات ما نستطيع معها القضاء على اليهود، أعني دعهم يحتلون القدس وحيفا ويافا، فإننا سنسترجعها حالا ". فرد عليه عبد القادر قائلا: " إنكم حرمتمونا من أية مساعدة، وهل تبخلون علينا ببضعة رشاشات وبعض الأسلحة الحديثة، التي أعرف أنها مكدسة في مخازن المزة ". فرد عليه هذا القائد بقوله: " ولكن هذه الأسلحة تخص جيش الإنقاذ ". فرد عليه عبد القادر بغضب: " ولكن أين جيش الإنقاذ، وهل اشترك في أية معركة حتى الآن ؟ نحن نريد واحدا بالمائة من الأسلحة التي تقدمونها لهذا الجيش ".


وفي جلسة للجنة العسكرية عقدت بتاريخ 4-4-1948 عندما اجتمع عبد الرحمن عزام رئيس الجامعة العربية مع عبدالقادر الحسيني، قال طه الهاشمي لعبد القادر: " يا أهل فلسطين، لا شغل لكم إلا طلب السلاح، وليس لدي سلاح هل أخلقه من الهواء ؟ فرد عليه عبد القادر: " لازم تعيرنا إن طلبنا سلاحا، نحن ندافع عن فلسطين وعن البلاد العربية. إن السلاح الذي لديكم جمع باسم فلسطين فازداد الهاشمي تهكما، وراح يقوم بأعمال بهلوانية ... فرد عليه عبد القادر قائلا: أنتم تريدون ضياعنا. وأين ذهبتم بالثمانمائة بندقية؟ وبالمائة والعشرين رشاشا؟ تلك التي تبرع بها اخواننا اللبنانيون والتي اشترطوا تسليمها لي ولأخي حسن سلامة؟ إن مخازن اللجنة العسكرية ملآنة بأنواع الاسلحة رأيتها بعيني هذا الصباح. ففوجئ الموجودون لدى سماعهم هذه الحقيقة على لسان عبدالقادر، والتي أرادوا لها ان تكون سرا لديهم فقط.. فرد عليه طه الهاشمي: صحيح، ولكن هذا السلاح يلزمني لأفواج جديدة سنؤلفها قريبا ".

وأتهم عبد القادر صراحة قادة الجامعة أنهم متواطئون مع الصهاينة لاحتلال فلسطين في كلمة ألقاها أمام هؤلاء: " إن التاريخ سيتهمكم بإضاعة فلسطين، أنتم ومن يقفون وراءكم، وهل المدافع لتطويق مزابل جبع يا باشا؟ لقد أضعتم بلادنا، أنتم المسؤولون عما سيحل بنا من دمار أيها الخارجون المتآمرون.. سأحتل القسطل وأموت أنا وكل جنودي، وسيسجل التاريخ، وسيشهد العالم أنكم أنتم المجرمون الخونة الذين أضعتم البلاد ".

وكانت بيده خريطة فلسطين أراد أن يشرح لهم فيها خطة تحرير المناطق التي احتلها اليهود، فرماها على وجوههم وخرج من غرفة الاجتماع متوجها إلى مخازن الأسلحة، فرأى بعينه وجود مئات الرشاشات والبنادق والمتفجرات مكدسة في المخازن. بعد الشك الذي راوده حول عمالة قادة الجامعة العربية لليهود، تأكد أخيرا أنهم يعملون وفقا لخطة تسهيل الطريق لاحتلال فلسطين من قبل اليهود. ألتفت عبد القادر نحو رفاقه وقال لهم: "  أما أنا فإني ذاهب إلى القسطل، لأموت هناك قبل أن أرى ثمرة التقصير ونتائج التواطؤ، سأعود إلى القسطل وسأسترجعها من اليهود مهما كلف الثمن، وسأموت هناك، وليسقط دمي على رأس عبد الرحمن عزام، وطه الهاشمي، واسماعيل صفوتن الذين يريدون تسليمنا لأعدائنا كي يذبحونا ذبح النعاج ". ومن القسطل بعث عبد القادر الحسيني بمذكرة إلى عبد الرحمن عزام جاء فيها: " إني أحملكم المسؤولية بعد أن تركتم جنودي في أوج انتصاراتهم بدون عون أو سلاح ".

 تقول روايات عدة أن القاوقجي قائد جيش الإنقاذ أخبر اليهود بنوايا عبد القادر الحسيني، وبأنه تنقصه الأسلحة والذخائر، واعطى لهم تفاصيل خطته لاسترجاع القسطل. ولكن براعة المجاهد عبد القادر جعلته يصنع بعض المتفجرات، شديدة الانفجار، واستطاع باستخدامها ضد الأهداف اليهودية تدمير بعض الأماكن الاستراتيجية تدميرا دقيقا، حتى أنهم نسبوا هذه العمليات إلى الألمان واليوغوسلاف، ولذلك فإن اليهود والإنكليز عرضوا مبالغ كبيرة لمن يكشف لهم عن سر الخلطة الكيماوية التي استخدمها عبد القادر في التفجيرات.    

قال د. مصطفى السباعي: " إن جيش الإنقاذ التابع للجامعة العربية كان مهمته تحطيم منظمة (الجهاد المقدس ) التي انخرط فيها شباب فلسطين، وأبدوا من البطولات ما سجله له التاريخ بإعجاب وإكبار...وأن جيش الإنقاذ لم يخض معركة واحدة في فلسطين. وإنه لم يكن الا تسكينا لشعور العرب الهائج في كل مكان ".

والذي يدرس ما حققته هذه الجامعة المصطنعة حول دورها في تطوير العمل المشترك في مختلف المجالات الاجتماعية والتربوية والاقتصادية والوحدة وفض النزاعات والتعاون... ينتهي إلى نتيجة مفادها أنها أنشئت خصيصا لإبقاء العرب أمة متأخرة، فالاتحاد الإفريقي الذي يضم دولا فقيرة ومتأخرة له مواقف مشرفة أكثر من جامعة الكذب والتزوير والعمالة. ولو قارنا الاتحاد الأوروبي الذي تأسس في العقود الأخيرة، بالجامعة التي أنشئت في الأربعينات لوجدنا أن الاتحاد الأوروبي قد حقق انجازات ضخمة في ظرف قصير، وأصبح المواطن الأوروبي يشعر بإنجازات الاتحاد من خلال حصوله على حقه في انتخاب برلمان أوروبي، وحق السفر من دون تأشيرة، والإقامة في أي دولة أوروبية، والعملة الموحدة، والسوق الأوروبية المشتركة. أما في الحالة العربية فيبدو واضحا أنها خاضعة لإملاءات الدول الكبرى ولإسرائيل، وأن القيمون عليها يخدمون المصالح الأجنبية ولا علاقة لهم بمصالح المواطن.
عبد الفتاح بن عمار.