بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 31 أكتوبر 2013

أدلة تثبت هزيمة الجيوش العربية في حرب أكتوبر 1973 ـ مفاوضات الكيلو 101 ـ الجزء الخامس 
المنطق يقول أن البادئ بالحرب إذا تحققت أهدافه فقد انتصر مهما كثرت تكاليف خسائره المادية والبشرية ونفقاتها، ويعتبر المهاجم عليه خاسرا في المعركة. وأما إذا لم تحقق الأهداف الرئيسة للمهاجم فهو خاسر. ولو لم يخسر ماديا وبشريا أو خسارة مساحة أرضية. والنتيجة في هذه الحال يكون الطرف المهاجم عليه مهما كانت خسائره كبيرة فهو المنتصر، لأنه أفشل تحقيق أهداف المهاجم. وهذا ما ينطبق على الحالتين المصرية والسورية. وفي هذا المعنى يقول الفرنسي اندري بوفر: "  النصر هو أن تحطم عدوك، أو أن تجعله في موقف يقبل بما تمليه عليه من شروط الاستسلام".
وبما أننا بصدد محاولة جلاء الحقيقة وكشف الغبار عن أهم الأحداث في حروب الشرق الأوسط، بما توافر لدينا من معلومات حول حقيقة الانتصار الوهمي، وجب على كل كاتب نزيه إجرى بحث في ثنايا أرشيف التاريخ لكشف الحقيقة وتبيانها بعدما أعتراها التشويش من الجانبين، وبما أن كل طرف في هذا يصر ويدعي أنه خرج منتصرا سياسيا وعسكريا. ومن حق جيلنا والأجيال القادمة معرفة حقيقة حرب أكتوبر وحروب أخرى. ولا نتقصى حقائقها إلا إذا جردنا عقولنا من العاطفة والميولات العرقية والانتماءات لأي كان نوعها.
إذن، ما نستنتجه من هذا البحث هو أن الجيوش العربية انهزمت عسكريا أمام الجيش الإسرائيلي على الجبهتين السورية والمصرية، وأصيبت بنكبة أخرى. ولا يعقل أن تعتبر مصر الهزيمة نصرا استراتيجيا بالرغم من أن صور الهزيمة واضحة ومؤكدة، ومن الاستهزأ بعقول المصريين أن تخصص ليوم 6 أكتوبر عيدا للنصر. أي نصر يتحدث عنه نظام ثبت أنه استعاد سيناء وفقا لشروط مذلة يبقى بموجبها عميلا لأمريكا وإسرائيل، وأن لا يمارس سيادة كاملة على سيناء؟!
إن النصر الحقيقي هو لو أن مصر تمكنت تحرير أرض سيناء بالكامل، لكن الذي حصل وجعل الناس يعتبرونه نصرا، هو تمكين الجيش المصري من اقتحام واختراق حائط برليف والتوغل بضعة كيلومترات خلف الجدار. في الحقيقة أن تقدير الخسائر المادية والبشرية التي لقيت الجيش المصري تؤكد من دون شك أن الجيوش العربية منيت بهزيمة كبيرة، ولكن الأنظمة العربية الشمولية تعتمد صيغ المبالغة والاعتماد على الدعاية الكاذبة في قضايا دقيقة ومصيرية، وذات الأنظمة الفاسدة تعالج خذلانها وخيباتها بمعسول الإعلام الزائف وأنماط الكلمات البراقة. إن الحديث عن نصر حققه العرب في حرب أكتوبر 73 لا يصح فيه شيئا. ومن باب المنطق فإن القائلين بانهزام إسرائيل في الحرب هو من باب المبالغات العربية المعهودة التي تعودت الكذب على شعوبها، خصوصا وأن مجلس الأمن كان ققد أصدر قرارا بوقف القتال وإسرائيل ما زلت محتفظة بأراضٍ جديدة.
في كل الحروب التي خاضتها الجيوش العربية ضد إسرائيل جرعتها هزائم عسكرية كبيرة، وكانت خسائرهم في الأرواح والأموال أكثر بكثير من خسائر إسرائيل وتخرج من كل حر أكثر استقواء على الجيوش العربية، وترفع من سقف شروطها للسلام أو التخلي عن منطقة من المناطق المحتلة، ومع كل هذه الهزائم النكبات يخرج علينا القادة الظلاميين والجنرالات المهزومين فرحين يحدثوننا بأنهم حققوا نصرا عظيما.
لنكن منطقيين وموضوعيين في أحكامنا على الأشياء، منذ متى انتصرت الجيوش العربية على إسرائيل بالمفهوم العسكري؟ ومنذ متى فقدت إسرائيل أرضا وأرواحا كثيرة، وتنازلت عن قرار أو عن شيء يهين كرامة الإسرائيلي؟ وفي أي حرب وصلت طائرات وصواريخ الجيوش العربية إلى قلب إسرائيل ودمرت بنية من بنياتها التحية؟ فأين النصر الذي حققته سوريا وأرض الجولان وزيادة ما زالت محتلة؟ وأي نصر حققته مصر وهي تتحدث عن حرب أكتوبر بفخر وابتهاج؟ وقد استرجعت سيناء وهي منزوعة السيادة وفقا لشروط مذلة. ومن تلك الشروط أنه يسمح بوجود فرقة مشاة عبارة عن شرطة مدنية ويمنع عليها إدخال أسلحة ثقيلة إلى سيناء. ومن الشروط التي فرضتها إسرائيل على مصر هي أن تتخلى عن دعمها للمنظمات التحررية كحماس وغيرها.
كم كنا سذجا عندما صدقنا بأن الجيوش العربية انتصرت في حرب أكتوبر 73، ولكن بمجرد ما بدأنا نقرأ واقع أحداث الحرب اكتشفنا أن الأنظمة لاستبدادبة دأبت منذ أن اغتصبت الحكم على تضليل شعوبها بالأكاذيب وتزييف الحقائق والوقائع. غير أن  قراءة الأحداث من ثنايا الواقع الميداني تؤكد من دون شك أن إسرائيل قد انتصرت على الجيوش العربية مجمعة في حرب 73. وأن هذه الجيوش التي تلتهم موازنات ضخمة من أموال شعوبها منيت بهزيمة مريرة، ولولا تدخل الدول الكبرى لإيقاف الحرب لتحولت إلى هزيمة لا مثيل لها في التاريخ، وأن الموقف السياسي في الأخير كان لصالح إسرائيل. فقد أعطت أوامر لجيشها بأن يتوقف عن احتلال دمشق وكان بإمكانه احتلالها، وأن لا يزحف غربا لاحتلال القاهرة، وذلك خوفا من تدخل الاتحاد السوفيتي الذي وجه انذارا مباشرا لاسرائيل بإرسال قواته إلى القاهرة إن استمرت في الهجوم والتوجه نحو القاهرة، أو محاولة دخول دمشق. وكان قد قرر تعويض الجيش المصري عن بعض خسائره من الدبابات ومنحها 250 دبابة من طراز تى 62 ، كما قدم رئيس يوغسلافيا (تيتو) مساعدة عسكرية تمثلت في لواء كامل من الدبابات ووضعه تحت تصرف الجيش المصري.
يقول موشي ديان في مذكراته: " أعطينا الأوامر لقواتنا أن تكون دمشق في مرمى مدفعيتنا ولكن لا نحتلها، ولم تسمح الولايات المتحدة الأمريكية أن يتم تحطيم الجيش الثالث أو أسر أفراده وإحكام حصاره وتركه يموت جوعا أو عطشا، لأن ذلك أيضا سيؤدي إلى تدخل السوفييت ". أخذا بالاعتبارات السابقة فإنه إذا تدخل السوفييت عسكريا فإن أمريكا هي الأخرى ستتدخل عسكريا لدعم إسرائيل دعما مباشرا مما يؤدي الموقف إلى نشوب حرب عالمية. وخوفا من الهزيمة العسكرية التي أصبحت مؤكدة، وحفاظا على ماء الوجه هرول السادات إلى اعلان وقف اطلاق النار، لأنه كان يعلم أن استمرار الحرب ليست في صالحه، وأن الإسرائيليين اكتسبوا وضعا سياسيا يجعلهم  في موقف قوة لفرض شروطهم بعد احتلال مناطق جديدة.     
لقد أنشئت بعد انتهاء الحرب لجنة تسمى " أجرانات " في إسرائيل هدفها الضغط على الحكومة لكشف نتائج الحرب، وحاجة العائلات لمعرفة مصير الأسرى والمفقودين وحتى جثامين القتلى، وبالتالي شكلت ضغطا على الحكومة الإسرائيلية، وكان بإمكان المصريين استغلال هذه النقطة في المباحثات بينهم وبين الإسرائيليين في فض الاشتباك وحصار الجيش الثالث الميداني، وهذا ما غفل عنه الجانب المصري أو تجنب طرحه عمدا. وبالرغم من أن الجيش الإسرائيلي قد استعاد قوته بعد أيام من المعارك وحقق نتائج مذهلة إلا أن الشعب الإسرائيلي خرج في مظاهرات مطالبا باستقالة الحكومة ومحاسبتها لأنه كان شعب لا تنطلي عليه الخدعة والتضليل، بينما خرجت الشعوب العربية كالعادة تطبل للفاشلين والمنهزمين في الحرب.
 بعد وقف اطلاق النار بين الطرف المصري والإسرائيلي جاءت مفاوضات الكيلو 101 بتاريخ 26 أكتوبر 73، فترأس الجانب المصري الفريق محمد عبد الغني الجمسي بصفته أصبح رئيسا لأركان الجيش خلفا للفريق سعد الدين الشاذلي الذي عزله السادات، ومثل المفاوض الإسرائيلي أهارون باريف و ديفيد إليعاذر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، فوقع الطرف الأول على إتفاقية تشمل ستة نقاط كلها خاصة بفك حصار الجيش الثالث الميداني،  ووقع الطرف الإسرائيلي اتفاقية فض الاشتباك، حيث دامت مباحثات الكيلو 101 سبعة عشر اجتماعا، عشرة منها كانت كلها خاصة بالاتفاق على فك الحصار على الجيش الثالث الذي أوشك أفرده على الموت جوعا وعطشا، وما هي السبل التي يمكن من خلالها توصيل الإمدادات الطبية والغذائية، دون أن ننسى أن فايد وأبو سلطان والسويس كلها وقعت تحت الاحتلال وأن الطرق الرابطة بينها وبين القاهرة انقطعت.
وأما السبع الاجتماعات الأخرى فكانت مخصصة لفض الاشتباك. وكانت إسرائيل تعلم أن أضعف نقطة لدى الجانب المصري هو حصار الجيش الثالث إذ يمكن أن تقبل بكل الشروط الإسرائيلية من أجل التعجيل بإخراجه من الحصار. ولذلك جاءت نتائج المفاوضات بشكل مهين للمصريين، فقبلوا الاتفاقية بوجه ذليل، وأن تنقل الامدادات إلى الجيش الثالث في شاحنات، ثم تسلم عند مدخل مدينة السويس للجيش الإسرائيلي، ومن ثم يقودها  إسرائيليون ويسلمونها إلى الجيش المصري المحاصر، بعدما ينهب أكثرها. ولا يصل منها إلا القليل. في المرحلة الثانية منها مرحلة السبعة اجتماعات الخاصة بفض الاشتباك بين القوات طرح الجانب الإسرائيلي بعض المبادئ العامة لتنفيذ فض الاشتباك. وكان الجانب الإسرائيلي يشعر بأنه في موقف قوي، ما جعله كل مرة يخلق متاعب جديدة للمفاوض المصري، لذا فإن مفاوضات فك الاشتباك عانت مصاعب كبيرة، وفي كل مرة يزعم الجانب الإسرائيلي أنه غير مفوض في الفصل في هذا الأمر أو ذاك، حتى أن المفاوضات كادت أن تفشل تماما، لولا زيارات كيسنجر المكوكية لكل من القاهرة وتل أبيب حيث تمكن من التقريب بين وجهات نظر الطرفين والتفاهم على نقاط الخلاف والتقريب بينها لإخراج المفاوضات إلى التطبيق. وانتهت الموفاوضات بموافقة  السادات مع كسينجر في مباحثات أسوان على تخفيض عدد القوات المصرية الموجودة في سيناء الذي يبلغ تعدادها حوالى 100 ألف إلى 7 آلاف رجل، وثلاثين دبابة فقط،  دون أن يستشير القيادة العسكرية التي بدت غير موافقة. كما أن السادات وافق على مطالب أمنية لصالح إسرائيل دون الرجوع إلى قائد الجيش.
قصارى ما يجب أن نتوقف عنده هو أن المصريين في الهجوم المباغت أو المرحلة الأولى حققوا بعض الأهداف المحدودة، واستعادوا 2% فقط من مساحة سيناء المحتلة، ولكن بعد أيام من المعارك استعادت إسرائيل المبادرة والسيطرة الميدانية، وتمكنت من احتلال أراضٍ جديدة داخل مصر في غاية الأهمية لأول مرة، مساحتها أكثر ما استرجعه الجيش المصري شرق القناة ، زيادة على حصار الجيش الثالث الذي يبلغ تعداده 45 ألف فرد، ولولا توقيف القتال لكان أفراده قد ماتوا جوعا وعطشا أو استسلموا للجيش الإسرائيلي فرادى وجماعات. وبالرغم من أن الجيش الإسرائيلي هزم الجيشين المصري والسوري في الأيام الأخيرة قبل وقف اطلاق النار إلا أن الشعب الإسرائيلي لم يكن راضيا على أداء حكومته في الحرب، وخرج في مظاهرات عارمة مطالبا باستقالة الحكومة ومحاسبتها طالما أنه يوجد لدى الجانب الآخر أسرى وجرحى إسرائيليون، لأنه شعب لا تحكمه العاطفة ولا ينساق وراء الأكاذيب، ولا ينطلي عليه الخداع، ويعرف كيف يقيم أداء حكامه وجنرالات جيشه. بينما انطلت خدعة الانتصار الاستراتيجي على الشعوب العربية وخرجت في مظاهرات تهلل وتصرخ بحناجر عالية تحيي الحكام المهزومين والجنرالات المتخاذلين. فإذا كان الجيش المصري قد استعاد بضع 
كيلومترات واعتبرها انتصارا استراتيجيا، فكيف نفسر، وأي ووصف نطلقه على العبور المعاكس الذي حققه الإسرائيليون بعد احتلالهم لأراضٍ مصرية جديدة غرب القناة؟ لا شك أنهم حققوا أهدافهم السياسية والعسكرية كاملة وضمنوا أمنهم الاستراتيجي من خلال تركيع الجيوش العربية في حربي 67 و73، وحافظوا على تفوقهم الكيفي على العرب. أهمها الشروط المذلة التي قبل بها النظام المصري. فهل استعادة شريط عرضه 12 كلم انتصار استراتيجيا؟
 عبد الفتاح بن عمار


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق