بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 30 أكتوبر 2013

هزيمة الجيوش العربية في حرب 73 ـ الثغرة ـ الجزء الرابع

بدأت معركة الدفرسوار بعد تطوير الهجوم المصري كما يقول القادة العسكريون المصريون، وسحب قوات الاحتياط التي كانت تحرس الجسور في هذه المنطقة من الجبهة الشرقية لقناة السويس، وتقوم بدور حماية مؤخرة الجيشين الثاني والثالث، ولكن حسب تصريحات القادة الإسرائيليين فإنهم كانوا على علم مسبقا  بخطة الهجوم المصري وتفاصيله والجدول الزمني لدى المخابرات الإسرائيلية، والعملية التكتيكية لسحب قوات الاحتياط من منطقة الدفرسوار، ولكن ما وقع كما يقول الإسرائيليون هو أن وزير الدفاع تقاعس في اتخاذ الإجراءات الفورية، وبالتالي فإن الإسرائيليين كانوا على علم بأن منطقة 
الدفرسوار ستكون خالية من قوات الاحتياط بعد التطوير، ولهذا السبب كانت معركة الإسرائيليين أشدة استماتة في المزرعة الصينية من أجل فتح الطريق والالتحام بقوات شارون الذي كان قد وصل بقواته إلى شاطئ القناة.
 أرجع الجنرال الجسمي قائد الأركان المصري اكتشاف الإسرائيليين للثغرة بواسطة طائرات استطلاع أمريكية كانت  خارج مدى رمي صواريخ الدفاع الجوي تراقب تحركات القوات المصرية بعد التطوير. وكان الإسرائيليون قد شيدوا جسرا متحركا طوله 180 مترا ووزنه 400 طن، قبل عام من بدء الحرب تحسبا لأي مواجهة محتملة، وقد جرته 12 دبابة عبر الصحراء، ولما أوصله المهندسون 
الإسرائيليون إلى شاطئ القناة، تم تعويمه ليلا بواسطة 50 دبابة عبر طوافات قابلة للنفخ، واستغرق تركيبه 3 أيام على بكرات معدنية، وسط هجمات الطيران المصري الذي فشل في تدميره. ورأت القيادة الإسرائيلية أنه لا يمكن الاعتماد على جسر واحد لعبورها قواتها، فشرع المهندسون الإسرائيليون في بناء جسرين آخرين لتمكين مرور قواتهم بأقصى سرعة، وتم إنشاء الجسرين في ظرف قصير.
قبل بناء الجسور وعبور قوات شارون المدرعة، كانت قوات المظليين الإسرائيليين قامت  بعملية إنزال جوي على شاطئ مياه القناة شرقا، ثم استخدمت قوارب مطاطية عبرت بها إلى الجهة 
الأخرى في يوم 15 أكتوبر 73، وحسب الخطة الإسرائيلية فإن هذا الانزال المظلي هدفه فتح الطريق ووتأمينه لوصول قوات شارون المدرعة ليلا، وإقامة الجسر لعبور قناة السويس إلى الضفة الأخرى. وفي يوم 16 أكتوبر حاولت القوات المصرية قطع الطريق أمام فرقة شارون المدرعة عندما وصلت إلى شاطئ القناة، ومنع وصول المعدات المخصصة لبناء الجسر إليه، وأصبحت شبه منقطعة عن القوات الخلفية. ولكن القوات الإسرائيلية الأخرى أدركت حجم الخطر الذي يهدد قوات شارون، فخاضت معارك شديدة من أجل الاتصال بالقوات الأمامية.
في هذه الأثناء حاول اللواء 25 مدرع من الجيش الثالث الميداني 
الموجود جنوبا الزحف نحو الشمال للاتصال بالفرقة 21 مدرعة التابعة للجيش الثاني الميداني الموجودة في الشمال، متجهة جنوبا للاتصال باللواء 25 مدرع وسد الثغرة وقطع الامداد عن قوات شارون ومنع القوات الإسرائيلية الخلفية من الاتصال بالقوات الأمامية التي وصلت مياه قناة السويس. وكان الفريق الشاذلي قائد الأركان المصرية قد عارض بشدة خطة تحرك اللواء 25 مدرع شمالا والفرقة 21 مدرعة جنوبا لأن هذه المنطقة كانت خارج نطاق نيران صواريخ الدفاع الجوي، وليس بإمكانها حماية تلك الوحدات من ضربات الطيران الإسرائيلي. إلا أن اللواء 25 مدرع تحرك شمالا. ويبدو أن الجيش الإسرائيلي كان يراقب تحركه فهاجمته 3 ألوية مدرعة إسرائيلية، فاسندت إلى لواء مدرع بمهاجمة اللواء المصري 25، ولواء آخر قام بتطويقه من الخلف وتم القضاء عليه نهائيا.
وكانت الخطة الإسرائيلية تهدف كذلك إلى تكليف لواء مدرع لايقاف تقدم الفرقة 21 مدرعة في الشمال الذي تعذر عليه سد الثغرة والصمود أمام الهجوم الإسرائيلي القوي مما سهل اتصال الفرق الخلفية بفرقة شارون والبدء في عملية عبور الفرق الثلاثة عبر الجسور.
كانت معركة المزرعة الصينية معركة حياة أو موت بالنسبة للإسرائيليين، وهي منطقة تقع بين الجيشين الثاني والثالث، تسيطر عليها مفرزة مصرية بقيادة المقدم أركان حرب محمد حسين طنطاوي الذي أصبح في عهد حسني مبارك وزيرا للدفاع، وكان لا بد من الاستيلاء عليها والقضاء على الكتيبة المصرية التي تسيطر عليها لأنها الجسر الذي يوصلها إلى القوات الأمامية، فقامت القوات الإسرائيلية بمهاجمة منطقة المزرعة بلواء مظلات بقيادة الجنرال (عوزي بائر) الذي خسر في المعركة ونجا هو ونائبه من الوقوع في الأسر، ثم تدخلت المدرعات الإسرائيلية لإخلاء الجرحى من ميدان المعركة. في هذه الأثناء قام الجنرال (برن) بالهجوم على ثلاثة محاور:
ـ المحور الأول في اتجاه الشمال للضغط على الجيش الثاني الميداني.
ـ المحور الثاني في اتجاه الجنوب للضغط على الجيش الثالث الميداني.
ـ المحور الثالث في اتجاه الغرب للهجوم على المزرعة الصينية التي كانت عقبة في وجه تقدم القوات الإسرائيلية نحو قناة السويس والاتصال بقوات آرييل شارون الموجودة على أطراف مياه القناة. حيث خاضت القوات الإسرائيلية معارك تصادمية بالمدرعات وقتال مباشر  مكنت في الأخير قوات الجنرال (برن) من فتح الطريق وإيصال معدات وجسور جاهزة للعبور إلى شارون يوم 17 أكتوبر ، وتمت عملية عبور المدرعات عبر نقطة الدفرسوار إلى الضفة الغربية من القناة.
يعترف وزير الدفاع الإسرائيلي أنهم تكبدوا خسائر كبيرة من أجل تحقيق هذا الهدف قائلا: " تكبدنا في معركة المزرعة الصينية خسائر فادحة، إلا أننا كنا مصممون على إتمام العملية حتى ولو تم إفناء القوات كلها ". ويصف معركة المزرعة في مذكراته " قصة حياتي " بأنها كانت شديدة الوطيس، وعندما اقتربت الدبابات ببعضها البعض كانت أشد. ثم توالى عبور المدرعات الإسرائيلية إلى الضفة الأخرى للقناة حتى وصل عدد الوحدات إلى ثلاثة فرق، وسارت على محورين:  
ـ المحور الأول:  اتجهت فرقة مدرعة يقودها شارون بمحاذاة القناة لتطويق مدينة الإسماعيلية شمالا واحتلالها. غير أنها اصطدمت بالفرقة المصرية 4 مدرعة التي تصدت للقوات الإسرائيلية وأوقفت تقدمها نحو الإسماعيلية. 
ـ المحور الثاني: اتجهت فرقة لتطويق مدينة السويس والوصول إلى مؤخرة الجيش الثالث الميداني وضرب حصار عليه وقطع الإمداد عنه.
حسب مذكرات الفريق عبد المنعم وائل ( الصراع العربي الإسرائيلي" أنه قال: " استدركنا ما كانت تهدف إليه الخطة الإسرائيلية، فقمنا بنقل الامدادات الإدارية كالطعام والشراب والذخيرة وكل ما يحتاجه الجيش إلى الضفة الغربية من القناة لتفويت الفرصة على القوات الإسرائيلية بعدم استطاعتها خنق الجيش الثالث مما كان له الأثر الإيجابي بعد حصاره. ولكن القوات الإسرائيلية نجحت في تدمير مؤخرة الجيش الثالث، واحكمت حصارها على مدينة السويس واحتلت ميناء الأدبية جنوب المدينة وقطعت الطريق المؤدي إلى القاهرة، وصارت بعيدة عنها بمسافة ساعتين (100) كلم، وأن القوات المصرية التي كانت أمام القوات الإسرائيلية ضعيفة ليس بمقدورها رد القوات الإسرائيلية والدفاع عن مدينة القاهرة، لو أراد شارون الزحف في اتجاهها.
ويعترف الفريق منعم بأن الجيش الإسرائيلي دخل مدينة السويس فعلا، وحاول أحد الجنود رفع العلم الإسرائيلي فوق مبنى المحافظة، إلا أن الأهالي أردوه قتيلا وتطردوا الجنود الإسرائيليين خارج المدينة يوم 24 أكتوبر، وهو اليوم الذي أصبح في ما بعد عيدا للمدينة. وعلى ضوء ذلك يقول موشي ديان في تصريح له: " لو استطعنا الاستيلاء على مدينة السويس، لكان لهذا أثره الكبير في مفاوضات وقف اطلاق النار ولكن هذا لم يحدث ".
 من أهم أسباب ترك ثغرة في منطقة الدفرسوار كما يقول الفريق الشاذلي نلخصها في النقاط التالية:
أولا: تدخل القيادة السياسية والتأثير في قرارات القيادة العسكرية، على عكس القيادة السياسية الإسرائيلية كما يقول موشي ديان وزير الدفاع أن وزير الدفاع لا يتخذ قرارا إلا بما يشير عليه رئيس الأركان وفقا لتقارير استخباراتية، وليس من شأن القيادة السياسية التدخل في قرارات الجيش كما أن الجيش لا يتدخل في شؤون القيادة السياسية.
ثانيا: لم يتلق قائد الأركان تقارير استخباراتية ميدانية تكشف حقيقة الموقف كما هو، حيث تلقى تقريرا من قبل قائد اللواء الذي وقع فيها الاختراق مفاده أن عدد الدبابات سبعة فقط، والحقيقة هي أنه كان يوجد لواء مدرع.
من أهم أخطاء القيادة الميدانية التي ساعدت في توسع القوات الإسرائيلية:
1/: اعطت قيادة الجيش اهتماما لحماية طريق الاسماعيلية القاهرة، ولم تعطِ الحماية نفسها للطريق الرابط بين السويس والقاهرة ما سهل للقوات الإسرائيلية التوجه جنوبا ومحاصرة مدينة السويس وتطويق الجيش الثالث.
 2/: تمكنت الفرقة الإسرائيلية بالاقتراب من قواعد صواريخ الدفاع الجوي وتدميرها وسهل للطيران الإسرائيلي بحماية قواته والوصول إلى ضرب قواعد مصرية.   
3/: لم يحصل وزير الحربية على معلومات دقيقة حول الموقف والثغرة، وعندما أتصل به الفريق عبد المنعم واصل يخبره بأن قواته تتعرض إلى قصف إسرائيلي شديد، أجابه وزير الحربية بأن هذا القصر يقوم به الطيران المصري وليس إسرائيلي؟!!  يقول موشي ديان: " أن قائد الجيش المصري سعد الدين الشاذلي لم يكن يدرك ما تنوي القوات الإسرائيلية عمله من العملية " الغزالة أو الثغرة "، وهذا ما مكن من حدوثها ". وهذا يؤكد أن القيادة العسكرية المصرية كانت تعاني من نقص في المعلومات حول الموقف الميداني تارة،  ومن عدم دقة المعلومات المرفوعة إليها تارة أخرى، ما يضع استفهامات كثيرة؟؟
عندما تم توقيف القتال الفعلي يوم 28/10/73 كانت القوات الإسرائيلية قد احتلت مساحة شاسعة من الأراضي المصرية بين الإسماعيلية ومدينة السويس وأصبحت على بعد 100 كلم فقط من القاهرة. وحوالى 45 ألف من  الجيش الثالث الميداني محاصرا من كل الجهات. وفي الوقت الذي توقف فيه القتال على الجبهة السورية كان الجيش الإسرائيلي على بعد 25 كلم من العاصمة دمشق.
عبد الفتاح بن عمار  ( الموضوع منقول عن كتابي: ( المسلمون من عهود الاحتلال واستبداد الحكام إلى ثورات الحرية والانعتاق).










ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق