بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 1 نوفمبر 2013

ديكتاتورية مجلس الأمن

توجد في هذا المجلس خمسة دول تمتلك حق الفيتو (النقد)، وهي الدول التي خرجت منتصرة في الحرب العالمية الثانية. وينص ميثاق الأمم المتحدة على أنه لا يجوز إصدار قرار من مجلس الأمن إلا إذا اكتملت تسعة أصوات من الأعضاء 15 من بينهم الأعضاء 5 الدائمين. غير أن حق الفيتو الذي يمتلكه الأعضاء الدائمون يعتبر نظاما لا يعكس الحقائق الجيوسياسية الحالية، ويكرس الظلم باستمرار ضد الدول الضعيفة، فبريطانيا وفرنسا لم تعودا قوتين كبيرتين رئيستين اقتصاديا وعسكريا في العالم، وإذا أردنا أن نعرف مفهوم الأمن فإنه يرتبط بإقامة العدل بين شعوب العالم، لأن غاية الحكم هو ضمان الأمن الذي يجعل الحرية السياسية والفكرية ممكنة، ويساعد على التحرر من الخوف الذي هو شرط لأية حرية سياسية.

فمجلس الأمن بتركيبته الحالية يعد نظاما تعسفيا وغير ديمقراطي، ولا يكون عادلا ومنصفا إلا بإلغاء حق النقد الذي هو حق غير شرعي، وبعد ذلك سوف يسود العدل وتكون للأغلبية كلمة ترضي جميع أمم الأرض. فليس من حق أي دولة من الدول الخمسة فرض عقوبات على دول لا تمتلك حق النقد، وليس من حقها كذلك أن تفرض عليها حلولا تعسفية . فالمجتمع الدولي يتكون من دول وشعوب مختلفة، ولا يتكون من خمسة دول تمثل كل شعوب العالم، وهو أداة تستخدم للقمع والقهر ضد الدول المستضعفة. يتصرف في قضايا كثيرة بازدواجية المعايير والمواقف ضمن سياسات المصالح والمساومات على حساب شعوب العالم، وعلى هذا الأساس فهو  هيئة ديكتاتورية لا تنصف أصحاب الحقوق الضائعة، ولا تحقق التوازن الدولي منذ أربعينات القرن الماضي.   

.فقارة إفريقيا مغيبة بالكامل وليس هناك من يمثلها في مجلس الأمن باعتبار دولها ضعيفة، والكثير منها فقيرة، وكذلك لا يوجد من يمثل نصف القارة الجنوبية لأمريكا بالرغم من وجود دول كبيرة مثل البرازيل والأرجنتين. وأستراليا هي كذلك مغيبة في هذا المجلس بالرغم من أنها قارة، بالإضافة إلى أنه لا يوجد من يثمل البلدان الإسلامية والعربية وهم ربع العالم.   

فمنذ أن نشأ مجلس الأمن الذي يملك أعضاؤه حق الفيتو وهم يعبثون بقراراته، تستغلته الولايات دوما لحماية إسرائيل من انتقادات المجتمع الدولي وممارساتها الاستبدادية ضد الشعب الفلسطيني، أو محاولة الحد من الاستيطان أو الحد من أعمال الجيش الإسرائيلي. وأنه لا يمكن بأي حال إصدار قرار من هذا المجلس يدين إسرائيل أو دولة عضوة في المجلس في حال ما إذا اعتدت على دولة من الدول أو انتهكت ما يخالف القوانين الدولية. وبالتالي أصبح الفيتو الأمريكي أداة حماية خاصة بإسرائيل وضد استعادة الشعب الفلسطيني لحقه المغتصب، واليوم أصبحت روسيا تستخدمه من أجل بقاء نظام ديكتاتوري إجرامي يقتل شعبه في سوريا.

فمجلس الأمن على صورته الحالية يحتاج إلى إصلاح عميق يواكب تطور العصر الحديث علميا وثقافيا وسياسيا وإنسانيا، من أجل أن يساهم في استتباب الأمن واستقرار العالم، والارتقاء به ليكون مقبولا من جميع الدول، ويتمتع من قبلها بمصداقية كبيرة، في إطار منظومة الأمم المتحددة، وإزالة عدم الاطمئنان لعمل هذه المؤسسة الدولية، والتشكيك في مصداقيتها، وفقدانه للآلية المتفق عليها، وأن تعامله بالمعايير المزدوجة طيلة خمسين سنة من خلال بعض المواقف المنحازة لطرف دون طرف آخر في عدة قضايا دولية فقدته المصداقية كليا، واستمر على هذه الحال فإن عدم الرجوع إليه هو القرار الأفضل. ومن هذا المنطلق فإن مجلس الأمن أصبح يحتاج إلى معالجة المصداقية التي من مواصفاتها الإيجابية السعي لإقامة نظام جماعي يتميز بالإنصاف والقوة والفعالية، وترسيخ الديمقراطية واحترام سيادة القانون، والتمثيل الواسع الذي يشمل كل أجناس العالم، ولا يمكن أن يقتصر على التمثيل الحالي الذي لا يمثل كل شعوب العالم.

فهو لم يعد مقبولا من قبل جميع دول العالم كهيئة تتمتع بمصداقية كاملة، بل أصبح يتعرض لأزمة ثقة كبيرة على مستوى كل الأصعدة، سواء كانت وظيفية أو بنيوية، أو سياسية، ولذلك فهو يحتاج إلى صيانة جديدة تمنحه صورة مغايرة للوضع الذي ظل عليه منذ نشأته إلى اليوم. لأنه لم يعد يلبي مطالب المجتمع الدولي، ولا باستطاعته أن يتخلص من هيمنة الدول الدائمة التي تفرض باسمه قرارات ارتجالية تصب في مصلحتها بالأساس.             

 ومن أجل مصلحة الدول الدائمة أصبحت هذه المؤسسة المطلقة الصلاحيات تشهد تعارضا في ازدياد دورها على الصعيد الدولي، رغم أن الفقرة السابعة من المادة الثانية لميثاق الأمم المتحدة تقول: ( ليس في هذا الميثاق ما يسوغ للأمم المتحدة أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي ). لكن الدول صاحبة الفيتو أصبحت تملك حق التدخل الانتقائي والمتحيز في الشؤون الدول الداخلية وعدم التقيد بالقوانين ميثاق الأمم المتحدة والرجوع إليها. ولأسباب عديدة بدأت الكثير من الدول والمؤسسات الحقوقية في العالم تطالب بضرورة إصلاح  مجلس الأمن باعتباره يملك سلطات تجيز له استخدام أعمال تعسفية والإساءة لقانون الأمم المتحدة، وأن تعامله مع بعض القضايا العالمية أثارت اشمئزازا كبيرا لدى الرأي العام العالمي. ومما يثبت أن مجلس الأمن هيئة قمعية تستخدم لمصلحة الأعضاء الخمسة. ما قامت به فرنسا وبريطانيا في افشال قرار لمجلس الأمن بشأن العدوان الثلاثي على مصر، وأبطلت الولايات المتحدة وبريطانيا كل القرار التي تدين ممارسات التمييز العنصري في جنوب إفريقيا في الثمانينات، كما أبطلت الولايات المتحدة كل قرارات مجلس الأمن التي تدين إسرائيل، كما أن الروس والولايات أبطلوا عدة قرارات لمجس الأمن تتعلق بأفغانستان وفيتنام. إذن، فهو مجلس استبدادي ديكتاتوري يمارس الظلم والعدوان على الصعيد العالمي.   
فهذا المجلس يفرض عقوبات قاسية على إيران على خلفية ملفها النووي، والدول المكونة له تعد مستودعا كبيرا للأسلحة النووية والبيولوجية والكيماوية، والمخزون الذي تملكه أي دولة من هذه الدول بإمكانه تدمير الكرة الأرضية عدة مرات.
فلا يعقل أن يحرم دولا بامتلاك تقنية نوويية وأعضاءه يملكون ترسانات بإمكانها إبادة البشرية في ساعات. فهذه مفارقة عجيبة، ولذلك فإن هذا المجلس لا يستطيع أن يشكل نموذجا للسلم والأمن والعدالة والحرية والديمقراطية، وهو في بنية قوانينه يوجد غياب كامل للمساوة والشفافية، ما يصعب عليه اصدار قرارات عادلة، فضلا عن أن الولايات المتحدة وضعت مجلس بعد أحداث 11 سبتمبر أمام خيرين: إما إقراره للخطوط العامة لسياستها. وإما أن تتجاوز وجوده نهائيا، ومن خلال هذا المجلس الذي نصبت نفسها عليه تريد أن تفرض امنها القومي وتصورها للأمن الإقليمي على العالم، فكيف نطلب الأمن والعدل والديمقراطية من مجلس يعتبر من المؤسسات الديكتاتورية في العالم، بخمس دول تتحكم في مصير كل الشعوب. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق