بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 4 نوفمبر 2013

مهمة الشيطان في الوجود

إن مشروع الغواية القديم كانت له أبعاده منذ بداية الخليقة ومن اللحظة التي طرد الله إبليس من رحاب رحمته، وأنزله إلى الأرض. نزل وهو يحمل مشروع الغواية والتضليل بين يديه، ومن ضمن هذا المشروع الشيطاني تزييف كل حقيقة من الحقائق في عالم الوجود بدون استثناء وأي شيء من أشياء حياة الإنسان، سواء تعلق الأمر بالدين أو المعتقد أو بأي جانب من جوانب حياة الفرد. ولو سألنا الشيطان وذريته، وقلنا لهم: ما مهمتكم في هذا الوجود ؟ لأجابونا :التزيين، التزييف، التضليل. تلك هي محاور الشياطين الكبرى التي تقوم عليها مهمتهم في العالم الأرضي، ولذلك فإنه الباحث في سيرة الشعوب لا يجد أمة من الأمم كانت على عقيدة سليمة  خالية من التزييف والضلال.

لقد سمح الله لهذا المخلوق أن يفعل ما يشاء ويختار الطريق الذي يريده بمحض إرادته في الحياة الدنيا، وكان الله قادرا على أن يلقي بهذا المخلوق العاصي المتمرد عن شرع الله في الجحيم، ويأتي بغيره وبعباد لا يعرفون العصيان، ولكن شاء ت قدرته أن يكون في مخلوقاته من لا يعرفون الشر والعصيان، وهم الملائكةـ  وشاء الله أن يجعل مقابل ذلك عبادا أعطاهم حرية الاختيار بين الطاعة والعصيان{ فمن شاء منكم فليؤمن ومن شاء منكم فليكفر}، ومنحهم قوة عقلية. هذه القوة قابلة لأن تكون قوة إيمانية إيجابية تحمل في ثنياها كل أنواع  الخير، وقابلة لأن تكون طاقة سلبية مشحونة بكل أنواع الشرور.

لا يعقل أن يقال أن إبليس خلق شريرا، وإنما خلقه الله نسخة بيضاء كغيره وأعطاه عقلا وإرادة وحرية الإختيار، فمن شاء أن يحول هذه النسخة البيضاء إلى سواد فله ذلك، ومن شاء أن يزيد في بياضها فله ذلك. لأن الخالق منحه عقلا يستطيع من خلاله التمييز بين الخير والشر، وله الاختيار،فإن اختار بمحض إرادته فعل الشر وسار على دربه  كان شريرا ، وإن اختار فعل الخير وسار على منهجه كان خيرا. وحين عصى إبليس أمر ربه كان من أبسط الأمور أن يبعثه إلى الجحيم ولكن الله عادل ومن عدله أن أعطاه حرية الاختيار بين السجود للآدم من عدمه.

وعندما يخاطب الله الشيطان بقوله:{ وشاركهم في المال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا } لا يعطي أحدنا أهمية لمعنى هذه الآية، ونمر عليها بقراءة مر الكرام، وغالبا ما نفرغها من معانيها الحقيقية، ولا نتوقف عندها قليلا لنتأمل ونتدبر لمعرفة ما المقصود والحكمة من الآية الكريمة، بل الكثير من الآيات في القرآن حين نريد أن نتجنب الخوض فيها أو قد تجعلنا في موقف لا يعجب غيرنا نعطيها مدلولا حسب أهوائنا وتفسيرا يرضي بعض الفئات المعادية للدين. وكلما أردنا أن نفرغها من معناها الحقيقي ندعي أنها من المجاز القرآني أو أنها نزلت في حق قوم تناسب عصرهم.

فضلا عن أن البعض يعتقد أن هذه الآية بمثابة رخصة من الله للشيطان ليتعقب بني البشر بالمكائد والإغواءات والوساويس، وتتداخل وساوسه في نفوسهم، فيغير من مسار حياتهم بحيث يدفعهم بحيله إلى ارتكاب أعمال لم تكن بإرادتهم.

والمقصود هو أن الله أعطاه رخصة تناسب الطريق الذي اختاره بمحض إرادته، أختار الغواية سبيلا له فكان له ذلك، وطلب أن يكون شريكا للإنسان في المال والولد، فكان له ذلك أيضا، وطلب أن ينظره الله إلى يوم القيامة فلم يكن له ذلك.

والحكمة من ذلك، أن المخلوق العاقل المختار له الحق بأن يفعل ما يشاء في الحياة الدنيا، يؤمن أو يكفر،لا يزيد الله إيمانه شيئا كما لا يضره كفره شيئا، ولكنه لا يعرف مدة حياته ومتى يداهمه الأجل المحتوم، وهو أمر غيبي لا يعلمه إلا علام الغيوب.

قد يدعي البعض أن كلمة " شيطان " كناية عن الشر الذي يكمن في النفس البشرية أو هو بمعنى يرمز إلى كل فعل يتعارض مع الخير والفضيلة، وهو ما يروج له بعض الذين ينتسبون إلى الدين الإسلامي.

غير أن الحقيقة ليست كذلك،ولا يؤيد هذا الرأي لا كتاب ولا سنة. فالشيطان والجن مخلوقات موجودة وهي نصف هذا العالم الذي نعيش فيه.غير أن الآراء الشاذة أصبحت اليوم أكثر قبولا من طرف الذين ينكرون وجود عالم روحاني إلى جانب العالم الإنساني.

وإذا كان هذا الرأي الشاذ صار حجة لبعض من علماء الدين في الوقت الحاضر لإرضاء الملاحدة والعلمانيين، فكيف نفسر قوله تعالى:{ وشاركهم في المال والأولاد}،لمن وجه الخطاب،أللنفس البشرية أم لمخلوق ييعقل وله وله إرادة ؟

عبد الفتاح بن عمار 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق