توضيح عن ماسونية الأمير عبد القادر.
نحن لسنا بحاجة لندخل في حرب فكرية وتاريخية مع الذين يريدون تبرئة الأمير كذبا وزورا من انخراطه في الحركة الماسونية فمن أوغل في صفحات التاريخ وقرأ ما تكبه المشارقة الذين أثبتوا انغماسه في الماسونية عندما قضى فترة حياته الثانية بينهم. فالأمير عاش في الجزائر مجاهدا فذا لمدة 17 سنة، وحارب بكل إخلاص المستعمر الفرنسي، ولكن في نهاية الأمر استسلم إلى الفرنسيين بعد حصار دام فترة، لم يجد وقتها طريقا ينجيه وحاشيته إلا الاستسلام.
ثم أن الأمير كشف عن صوفيته الحقيقية التي تقوم على وحدة الوجود وتعتبر جميع الديانات سواء كانت كتابية أو وثنية دينا واحدا في رسالته إلى الفرنسيين التي قال فيها: " الدين واحد ولو يعيرني المسلمون والمسيحيون انتباههم لقضيت على اختلاف وجهات النظر بينهم، ولغدوا إخوة في الداخل والخارج". ونظرا لبعض مواقف الأمير وخدماته تم تكريمه من قبل الماسونية بالأوسمة، وكان له لقاء بينه وبين بعض الأعضاء الكبار الماسونيين مثل " بوجو " و " بن دوران " و " دي ميشيل ". وكان له صديقا لبنانيا ماسونيا وهو " مميز ـ شاهين مكاريوس " الذي كانت تربطه علاقة صداقة بعائلة الأمير، حيث استطاع أن يقنع اثنين من أبناء الأمير بالانتساب إلى محفل فلسطين في بيروت، وهما محيي الدين ـ الابن الأكبر ـ ومحمد، وحتى الابن علي خليل كان ماسونيا، وانخرط الابن الثالث الأمير عمر فيما بعد في محفل " النور " بدمشق، وقيل حسب بعض الروايات أنه ترقى إلى رتبة عليا في محفل " معجبي الكون" بباريس، وكل الأبناء كانوا تابعين لجهات الجمعية الإنجليزية. ووفقا لعمله ضمن صفوف الحركة تلقى من محفل الشرق الكبير ( Grand Orient ) في فرنسا تهنئة على أعماله الجليلة.
تحدث الماسوني الأمريكي " روبير موريس " عن لقاء أجراه مع الأمير في أفريل سنة 1868م بدمشق صحبة الماسوني " ناصيف مشاقة "، ولم يحضر هذا اللقاء أبناء الأمير الماسونيين كما يقول. بينما كان حاضرا الماسوني الفرنسي " جوزيف بيلاستير " من محفل " الحقيقة " بمرسيليا وكذلك حضر عدة أعضاء من عدة بلدان أوروبية، وكان اسم الأمير مدرج في جداول محفل سورية في " دمشق " ولكن لم يتأكد إن كان يحضر اجتماعات الماسونيين.
بعد الأحداث الطائفية التي وقعت ضد المسيحيين في دمشق سنة 1860م وكان الأمير قد ساعد في اخمادها، غمرته القوى الغربية بمظاهر الامتنان والإعجاب وأرسلت له رسائل وغص بيته بالوفود حاملي الهدايا: فالولايات المتحدة قدمت له مسدسين، وإنجلترا أهدت له بندقية مضاعفة المأسورة مطعمة بالذهب، وقدمت له فرنسا وسام جوقة الشرف من المرتبة الأولى، وقدمت له روسيا وسام النسر الأبيض، واليونانيون وسام المخلص.... ومنحه السلطان العثماني النيشان المجيدي من المرتبة الأولى، وقدم المحفل الماسونية الباريسي "هنري الرابع " ميدالية تحمل رموزها وهدايا أخرى، ورسلة إشادة تقول: " إن الماسونية ... لا يمكنها إلا أن تشهد ببالغ التأثر العبرة الكبرى التي تعطيها، وهي تعترف بك وتعتبرك واحدا من أبنائها، وأنت الرجل الذي مارس بدون تفاخر وبإلهام أولي، شعارها السامي " الواحد للكل ". بهذا الشعور، أيها الأمير الشهير، يجد محفل الرابع، وهو مجموعة صغيرة من العائلة الماسونية الكبرى، من واجبه أن يوجه لكم هذا التعبير البسيط إنما الصادق عن عميق مودته، وأن يقدم كعربون احترام حليته الرمزية. هذه الحلية التي لا قيمة لها إلا بدلالات رموزها: الكوس، المسواة، والفرجار، العدالة، والأخوة، لكنها حلية تلتمع على صدور مخلصة للإنسانية وتستهيم حبا بأمثالها. وبهذه الصفة نقدمها لكم، وإذا تكرمتم بقبولها، وعندما ستلقون نظرة عليها، ستقلون في أنفسكم: إن هناك بعيدا في الغرب قلوبا تخفق في توافق مع قلبكم، ورجالا يبجلون اسمكم وإخوة يحبونكم كواحد منهم، وسيكونون فخورين إن أتاحت لهم روابط أكثر وثوقا ليعتبروكم في عداد المؤيدين لمؤسستهم. (باريس في 16/10/1860م ).
في هذه الرسالة دعوة واضحة تقترح على الأمير أن يغدو عضوا في الحركة الماسونية التي هي أم جميع ذوي الإرادة الطيبة كما تقول.
عبد الفتاح بن عمار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق